2‏/9‏/2015

الاعجازالعلمي/الاسراء والمعراج-لماذا عرج من بيت المقدس و ليس من مكه.. ؟

الإعجاز العملي, ومعنى الإعجاز أن يأتي النبي بشيء لا يستطيع البشر جميعاً أن يأتوا به, إلا أن يكون هذا عن طريق الله عز وجل.
من المعجزات العملية :
1-معجزة الإسراء والمعراج :
 لعل من أبرز معجزات النبي صلى الله عليه وسلم العملية: الإسراء والمعراج, فأنت حينما تقرأ سورة الإسراء وسورة النجم، في الأولى حديث عن الإسراء, وفي الثانية حديث عن المعراج.
 أنت في هاتين السورتين, تطالع أحداث خارقة للعادة, لا ينبغي أن تحللها وفق قوانين الأرض، إن أردت أن تحللها وفق قوانين الأرض, لن تصل إلى نتيجة, لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
[سورة الإسراء الآية: 1]
 فهذه الآيات له، لم يقل: ليريكم من آياتنا، قال: لنريه من آياتنا, إذاً: هذا خرق لقوانين الأرض, أن ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ثم يعرج إلى السماء إلى سدرة المنتهى, ويعود إلى الأرض, ثم يعود إلى مكة, دون أن يكون للزمن حساب في هذه الرحلة.
سؤال دقيق :
 أيها الأخوة, هناك سؤال دقيق: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج إلى السماء من مكة, هذا ممكن, ما الذي يحصل؟ لا يستطيع أحد أن يعرف المكان الذي عرج إليه النبي عليه الصلاة والسلام, يبقى هذا العروج في إدراك النبي وحده، أما حينما أسري به إلى بيت المقدس، وسئل: صف لنا بيت المقدس، وهو في علم قريش لم يسافر إليه قبل هذا التاريخ, فجاء وصفه مطابقاً تماماً لوصف بيت المقدس، ثم قيل له: هل رأيت من قوافل في الطريق؟ فوصف قافلة أو عدة قوافل, وجاء وصفه مطابقاً تماماً لما حدث, فاستطاع النبي من خلال الإسراء: أن يثبت لهم أنه وصل إلى بيت المقدس، وأنه رأى قافلة حينما عادت إلى مكة المكرمة, وسألوها, جاء وصف النبي صلى الله عليه وسلم مطابقاً لها تماماً.
 إذاً: الإسراء في إدراك النبي, وفي إدراك من حول النبي من المشركين والمؤمنين، فصار يقين الإسراء دليلاً إلى يقين المعراج، إذاً: هذه حكمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به من مكة إلى بيت المقدس, وهناك أدلة قطعية جاء بها من وصف دقيق لبيت المقدس, ولمن كان في الطريق, أما العروج إلى السماء فيبنى على الإسراء.
ما حكم من كذب بالإسراء والمعراج؟ :
 من كذب بالإسراء فقد كفر، لكن من كذب بالمعراج فقد فسق وعصى، الدليل القطعي في الإسراء، أما ليس في طاقة البشر, أن يتأكدوا من عروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماء, إلا بالدليل الإخباري الذي أخبرنا الله به, وهذا دليل عند المؤمنين قطعي الدلالة.
 هناك دليل حسي، وهناك دليل عقلي، وهناك دليل إخباري، فالدليل العقلي للإسراء قائم، بينما الدليل العقلي للمعراج غير قائم, إلا أن الدليل القطعي للمعراج إخبار الله لنا, أنه عرج به إلى السماء:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
[سورة النجم الآية: 1-18]
إليك الدليل القرآني الذي يبين فيه بأن الإسراء والمعراج تمت بالروح والجسد :
 أيها الأخوة, ينبغي في موضوع الإسراء والمعراج: أن ننفي روايات ضعيفة لا تقوم على حال، أن الإسراء كان مرة أو مرتين هذه روايات غير صحيحة، أو أنه كان في المنام، فإذا كان في المنام لا يمكن أن يكون خرقاً للعادات, لأن أي إنسان يرى في المنام ما يشاء، فليس بالمنام، وليس مرات عديدة، إنه مرة واحدة بالجسم وبالروح، والدليل بالجسم أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾
 والعبد جسم والعبد روح:
﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾
 وهو في السماء أوحى إلى عبده, فالدليل القرآني على أن العروج, تم بالروح وبالجسد، أنه أوحى إلى عبده, والعبد يشمل الجسم ويشمل الروح.
إليكم هذه الحقائق التي تتحدث عن تفاصيل الإسراء والمعراج :
 أيها الأخوة, هناك أحاديث صحيحة تتحدث عن تفاصيل الإسراء والمعراج, ولكن الذي يعنينا من هذه الأحاديث الحقائق التالية:
 أن النبي صلى الله عليه وسلم في أصح الروايات, لم ير ربه, لأن الله سبحانه وتعالى أنبأنا أننا في الجنة, سوف نرى الله عز وجل:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾
[سورة القيامة الآية: 22-23]
 أما في الدنيا يقول الله عز وجل:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 103]
 أما الرؤية التي وردت في المعراج:
﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾
 وفي قوله تعالى:
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾
 هذه كلها تعني جبريل عليه السلام.
 أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام مما أخرجه مسلم في صحيحه, أنه قال:
((لقد رأيتني في الحجر, وقريش تسألني عن مسراي, فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها, فكربت كربة ما كربت مثله قط, قال: فرفعه الله لي أنظر إليه, ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به))
 أيها الأخوة, في المعراج نزلت خواتيم سورة البقرة أيضاً في الإسراء والمعراج، وفي المعراج فرضت الصلاة على المسلمين خمس صلوات على حديث طويل يصف هذه التفاصيل.
إيمان النبي بالجنة والنار إيمان شهودي :
 الشيء الدقيق: أن كل أهل الأرض من دون استثناء إيمانهم بالجنة والنار إيمان تصديقي, لأن الله أخبرنا أن هناك جنة وأن هناك ناراً، إلا النبي عليه الصلاة والسلام فإيمانه بالجنة والنار إيمان شهودي، النبي وحده إذا حدثنا عن الجنة أو عن النار حديث المشاهد، حديث اليقين، نحن نؤمن بأشياء نراها إيماناًً حسياًًَ، ونؤمن بأشياء لا نراها, لكن نرى آثارها إيمان عقلياً، ونؤمن بأشياء لا نراها ولا نرى آثارها, إلا أن الله أخبرنا بها فهذا إيمان إخباري ، إلا أن النبي وحده صلى الله عليه وسلم في المعراج, أطلعه الله على أهل الجنة, وأطلعه الله على أهل النار، فإيمانه بالجنة والنار إيمان شهودي.
من تكريم الله لنبيه :
 أخرج البخاري في صحيحه, عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال:
((بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ, إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ, حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ, قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ, فَإِذَا طِيبُهُ -أو طينه- مِسْكٌ أَذْفَرُ))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]
 هذا حديث صحيح يبين: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل إلى الجنة, ورآها رأي العين, وهذا تكريم عظيم له.
ما سبب حادثة الإسراء والمعراج؟ :
 أيها الأخوة, أنه يوم كان في الطائف, وقد بالغ أهل الطائف في الإساءة إليه تكذيباً, وسخرية, ورشقاً بالحجارة، فالتجأ إلى حائط, وقال: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني على الناس، يا رب المستضعفين إلى من تكلني، إلى صديق يتجهمني, أو إلى عدو ملكته أمري، اللهم إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولك العتبى حتى ترضى, لكن عافيتك أوسع لي.
 يعني إذا كان للدعوة خط بياني, وصل هذا الخط إلى النهاية الصغرى, في أصعب أوقات النبي تكذيب, وسخرية, وإساءة بالغة، فقال: يا رب, إن كانت هذه الشدة التي لحقت بي تعبيراً عن غضبك علي, لك العتبى حتى ترضى، وإن كنت راضياً عني فلا أبالي، لك العتبى حتى ترضى, وكان أديباً من الله عز وجل إذا قال: لكن عافيتك أوسع لي.
 أيها الأخوة, تأكدوا: أنه ما من محنة إلا بعدها منحة، وما من شِدة إلا بعدها شَدة إلى الله عز وجل، رد الإلهي العظيم, الكريم, الشكور, على هذا الموقف الصعب, الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف, هو قوله تعالى:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
 يعني رد الإله على صبر النبي في سبيل هداية قومه, أنه أسري به إلى بيت المقدس, وعرج به إلى السماء, أنه سيد الأنبياء والمرسلين, وأنه سيد ولد آدم.
تعقيب :
 من قرأ الآيات الأولى في سورة الإسراء, ولم يكن متقناً لحفظها, فإذا قال:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه -لو لم يكن حفظه دقيقاً, التعقيب المناسب لهذه الآيات, إنه على كل شيء قدير، لا!- إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
 يعني يا محمد لقد سمعناك بالطائف، سمعنا دعاءك، ورأينا تحملك، ورأينا صبرك، ورأينا جهادك في سبيل نشر هذا الحق، فهذه المكافأة، أنك سيد الأنبياء والمرسلين، وأن الذي أُطلعت عليه لم يتح لأحد من العالمين، لقد رأى من آيات ربه الكبرى: أن الذي أطلعت عليه لم يتح لأحد من العالمين.
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
 أيها الأخوة, إذاً: الإسراء والمعراج مكافأة بعد محنة، وشَدة إلى الله بعد شِدة، وإعلام لنبيه الصابر أنه سيد ولد آدم.
هذا ما رآه النبي يوم المعراج :
 في المعراج: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عذاب الذين يغتابون الناس, ويقعون في أعراضهم.
 فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((لما عرج بي ربي عز وجل, مررت بقوم لهم أظفار من نحاس, يخمشون وجوههم وصدورهم, فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس, ويقعون في أعراضهم))
 وفي المعراج: رأى النبي صلى الله عليه وسلم الذين يتكلمون كلاماً صحيحاً, لكن لا يطبقون كلامهم, رآهم في النار.
 فقال:
((أتيت ليلة أسري بي على قوم, تقرض شفاههم بمقاريض من نار, كلما قرضت وفت -أي نمت- فقلت: يا جبريل, من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون, ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به))
 وسيدنا رسول الله وهو في الجنة، طبعاً: هذا موضوع في العقيدة, لا يمكن إلا أن يكون مأخوذاً من آية قطعية الدلالة, ومن حديث صحيح، قضية عقيدة خطيرة جداً.
 فقد أخرج البخاري في صحيحه, من حديث أنس:
((فلما علونا السماء الدنيا, فإذا رجل عن يمينه أسودة -يعني سواد كثيف- وعن يساره أسودة, فإذا نظر قبل يمينه ضحك, وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح, قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم, وهذه الأسودة عن يمينه, وعن شماله نسم بنيه -يعني ذريته- فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى))
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]
تعقيب آخر :
 أيها الأخوة الكرام, أريد أن أعقب على حديث الإسراء والمعراج: أنه ما من مؤمن, وهذه قاعدة أصيلة, ما من مؤمن مستقيم على أمر الله, صابر على قضائه وقدره, تصيبه محنة, إلا ينبغي أن يعلم علم اليقين, إنه إذا استقبلها بالرضا وبالصبر, جاء بعدها منحة، وما من مؤمن مستقيم على أمر الله, حافظ لعهوده ومواثيقه, تصيبه شدة, إلا ينبغي أن يعلم علم اليقين أن بعدها شَدةً إليه، هذه حقيقة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدوة، والله عز وجل يمتحننا ثم يفرج عنا، ففي الامتحان دليل على قوة إيمان الممتحن, وفي الفرج الذي يعقب هذه الشدة, دليل على كرم الله عز وجل.
المعجزة لا تخضع لقوانين الأرض ولا لمقاييس العقل وإنما هي خرق لنواميس الأرض
 أيها الأخوة, لا شك أن المعجزات العملية التي هي خرق لقوانين الأرض ونواميس الكون، والتي لا تخضع لقواعد الحياة التي نحياها, هي معجزة, وهي دليل على أن الذي جاء بها نبي مرسل، ومن أولى المعجزات العملية الإسراء والمعراج.
 طبعاً: بسذاجة ما بعدها سذاجة, لو قلت: كيف يصعد النبي إلى السماء، أو إلى أعلى طبقات السماء، أو إلى سدرة المنتهى؟ بالقوانين الأرضية هذا مستحيل، لكن كما أنك تؤمن أن الله سبحانه وتعالى, جعل إبراهيم في النار, والنار لم تحرقه، وكما تؤمن أن الأرض أصبح طريقاً يبساً، وكما تؤمن أن الجبل خرج منه ناقة لسيدنا صالح، وكما تؤمن أن العصا أصبحت ثعباناً مبيناً، هذه كلها معجزات لا يمكن أن تخضعها لقوانين الأرض ولا لمقاييس العقل، إنها خرق لنواميس الأرض وقوانين الكون، أول هذه المعجزات العملية كما قلت الإسراء والمعراج.
2-نصرته الرياح يوم الخندق :
 من هذه المعجزات العملية: أن العرب حينما أحدقت بالمسلمين في معركة الخندق, وأرادوا استئصالهم, وإبادتهم, وجمعوا جمعاً لم يجمع مثله في تاريخ الجزيرة، جاءت كل القبائل لتحارب النبي عليه الصلاة والسلام, فحينما قال الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾
[سورة الأحزاب الآية: 9]
 أيها الأخوة, هذه الرياح الشديدة أطفأت نيرانهم، وكفأت قدورهم، وهدمت أبنيتهم، واقتلعت خيامهم، وشردت خيلهم وجمالهم، وعاد المشركون من حيث أتوا، فهذه الرياح أيضاً إحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك من أدعية النبي عقب هذه الغزوة:
 لا إله إلا الله وحده, نصر عبده, وأعز جنده, وهزم الأحزاب وحده, لا شيء قبله ولا شيء بعده.
من المعجزات الحسية :
1- أن النعاس والمطر والملائكة نزلت لتأييد المسلمين يوم بدر :
 أيها الأخوة, ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية: أن النعاس والمطر والملائكة نزلت لتأييد المسلمين يوم بدر، قال تعالى:
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾
[سورة الأنفال الآية: 11-12]
 يقول عليه الصلاة والسلام فيما أورده الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح, عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال:
((لقد رأيتنا يوم بدر, وما منا إلا نائم, إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, -هذا النعاس الذي يطفي الأمن على النائم-, فإنه كان يصلي إلى شجرة, ويدعو, حتى أصبح, ثم إنه أصابنا من الليل طش -أي قليل من المطر- فانطلقنا تحت الشجر, نستظل تحتها من المطر, وبات النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه, ويقول: اللهم إن تهلك هذه الفئة فلن تعبد بعد اليوم، فلما طلع الفجر, نادى: الصلاة عباد الله, فجاء الناس من تحت الشجر, فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم, وحرضنا على القتال))
 وقوله تعالى:
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ -أي أنصركم- فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾
 في شرح النووي على صحيح مسلم, قال ابن عباس:
((بينما رجل من المسلمين يومئذٍ, يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه, إذ سمع ضربة بالصوت فوقه, وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم, -وهو اسم فرس الملك- إذ نظر إلى المشرك أمامه, خر مستلقياً، فنظر إليه, فإذا هو قد خطم أنفه, وشق وجهه كضربة السوط, فاخضر ذلك أجمع, فجاء الأنصاري, فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت ذاك مدد من السماء))
[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]
 قرآن:
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾
 يعني إذا كنا مع الله, كان الله معنا, وأرسل جنوداً لا نراها, لكنها تحسم المعركة.
2-ما وقع يوم الهجرة :
 أيها الأخوة الكرام, ومن المعجزات الحسية, يقول الله عز وجل حينما وقعت الهجرة:
﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
[سورة التوبة الآية: 40]
 سيدنا الصديق وهو في الغار يقول:
((قُلْتُ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ونحْنُ في الْغَارِ: لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ, فقالَ: يَا أَبا بَكْرٍ, مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا؟))
3-خيبة أمل سراقة بالنيل من النبي :
 ومن المعجزات الحسية: أن النبي في أثناء الهجرة, تبعه سراقة لينال مئة ناقة, لمن يأتي بالنبي حياً أو ميتاً, فساخت قدما فرسه في الرمال, حتى لامست بطن الفرس الأرض, وسقط من فوق فرسه، فأخذ سراقة يطلب من رسول الله الأمان.
 ففي صحيح البخاري, عن أنس قال:
((فالتفت أبو بكر, فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا, فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم, فقال: اللهم اصرعه فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت، قال: فقف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا, قال: فكان أول النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مسلحة له))
 طبعاً: ثقة النبي بالله لا حدود لها، هو مهدور دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً, ويقول لسراقة: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟.
 أي أنني سأصل، وسأنشئ دولة، وسأحارب أعظم دولتين في الأرض، وسأنتصر، وستأتي الغنائم من كسرى, ويا سراقة سوف تلبس سواري كسرى, ليس إلا الله:
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ﴾
[سورة الأنفال الآية: 10]
إذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان عليك فمن معك؟ :
 إذا كنا مع الله كان الله معنا، نحن أمام عدو كبير، وعدو قوي، وعدو ذكي, وعدو غني، لكن أين الله؟ الله موجود، ولكن هان أمر الله علينا فهنا على الله، الله عز وجل وعد المسلمين في القرآن أن يمدهم بالملائكة، ما معنى أن ينتصر 300 إنسان, لا رواحل لهم, ولا أسلحة في أيديهم، على أضخم جيش في مكة, كله مدعم بالأسلحة والأبطال بالصناديد؟.
 إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ هذه المعجزات تعطي الأمل، الله عز وجل بقدرته أن يفعل كل شيء:
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾
[سورة محمد الآية: 7 ]
هان أمر الله علينا فهنا على الله :
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ﴾
 فأيدوا الذين آمنوا، أين التأييد؟ والله موجود، والله الذي نصر أصحاب رسول الله ينصرنا، والإله الذي أيدهم يأيدينا، والله الذي حفظهم يحفظنا، والإله الذي أحبط مسعى أعدائهم يحبط مسعى أعدائنا، ولكن أمر الله هان علينا فهنا على الله.
 ونحن بين المسلمين في خصومات، وفي عدوان على الأموال والأعراض, ما يعلمه إلا الله، هذه أمة تستحق النصر؟! سبعة آلاف دعوى في قصر العدل كلها كيدية, وكلها ظلم وعدوان، هذا المسلم الذي يحضر مجالس العلم, ليس كهذا الصحابي الكريم الذي كان متألقاً.
هذه أمة الإسلام اليوم :
 سمعت من أحد الشعراء, الذين كانوا مقيمين في الشام, هو من العراق, يقول:
 أكاد أومن من شك ومن عجب هذه الملايين ليست أمة العرب
 ما هؤلاء عرب؟
 لا بحسب تاريخهم قبل الإسلام, شجاعتهم, نخوتهم, إكرامهم للضيف، نجدتهم، ولا بحسب قيم الإسلام, كأن هذه الأمة لا هوية لها، ما هويتها؟ أنتم من؟ مع الشرق؟! مع الغرب المتقدم؟! في قيم حضارية ليست عندنا، مع التاريخ المسلم؟! في قيم إسلامية ليست عندنا، نحن مع من؟ المسلمون مع شهواتهم، ومع أهوائهم، ومع حظوظهم، وكلما رأيت من سقطات المسلمين، ومن انهيار القيم عندهم، ومن انكبابهم على سفاسف الأمور, هذه أمة تستحق النصر؟! هذه أمة ينظر لها؟!:
﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً﴾
[سورة الكهف الآية: 105]
 لهم:
﴿صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾
[سورة الأنعام الآية: 124]
كهف المؤمن في آخر الزمان :
 أيها الأخوة, نحن بحاجة إلى كهف نأوي إليه، كهفنا مسجدنا وبيتنا.
((إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فالزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة))
 هذه آية الوقت:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾
[سورة المائدة الآية: 105]
 عليكم أنفسكم، أنا أحاول أن أصلح الناس, فإن لم أستطع أصلح نفسي، أحاول أن أعين الناس على أن يتصلوا بالله، فإن لم أستطع أتصل أنا بالله عز وجل، أحاول أن تكون دعوتي عامة, فإن لم أستطع, أجعلها خاصة لأهل بيتي, ولمن يلوذ بي:
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾
[سورة الشعراء الآية: 214]
قف هنا :
 أيها الأخوة الكرام, والله ليس من باب التشاؤم, والله هؤلاء المسلمون الغارقون بالشهوات, البعيدون عن ربهم، المتبعون لغرائزهم، المؤثرون لمصالحهم، الذين يعبدون المال من دون الله.
((إذا رأيت شحاً مطاعاً:
 -مادية مقيتة.
 يقسم بالله وبالكعبة وبالقرآن, أن رأس مالها أكثر من هذا السعر يكون ربحان بها بالمئة مئة، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل-.
إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً.
 -يعبدون الجنس من دون الله، الناس هجروا القرآن, والتفتوا إلى الشهوات, أينما ذهبت في الطريق، على الشاشة، في الإنترنت، في المجلة، في الجريدة، في أي مكان-.
إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً.
 -الجنس يعبد من دون الله-.
وإعجاب كل ذي رأي برأيه))
 كل إنسان قطب العالم، أنا أرى، من حضرتك؟ أنت من؟ في إله مشرع، في قرآن منزل, في حديث من المعصوم، أنت من؟ يقولون: عندنا هذا ليس جائز.
من أنت؟!! :
 أنا أرى أن قطع اليد همجية, من أنت؟ شيء نزل من السماء لقطع دابر السرقة.
يد بخـمس مئين عـسجد وديت  مـا بالــها قطعت في ربـــع دينار
عز الأمانـــة أغلاها وأرخصها  ذل الخيانـــة فافــهم حكمة الباري
 يقولون: هذا عندنا غير جائز!
 يقول الشاعر:
 فمن أنتم حتى يكون لكم عند؟.
 من أنت؟ إذا كان سيد الخلق الذي بلغ سدرة المنتهى:
﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
 قال: إنما أنا متبع:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾
[سورة الأعراف الآية: 203]
 إذا سيد الخلق متبع, أنت مبتدع, رأي كذا، رأي أن المال لا بد له من أن يستثمر في بنك ربوي، هذا المال قوة كبيرة، أيعقل أن يجمد من دون استثمار؟ المرجع رأيه وعقله, فمثل هذه الأمة التي عبدت شهواتها, والتي ألهت مصالحها، والتي هبطت في سقوط مريع مثل هذه الأمة, لا تستحق وعد الله بالنصر, مع أن زوال الكون أهون على الله, من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
من فوائد المعجزات الحسية :
 أيها الأخوة الكرام, من فوائد المعجزات الحسية: أنك إذا كنت مع الله كان الله معك:
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
[سورة المائدة الآية: 40]
 سيدنا إبراهيم كسر الأصنام, أليس من الممكن: أن يختفي؟ ما اختفى، تم القبض عليه، أليس من الممكن: وقد أشعلت النار, أن تأتي أمطار تطفئها؟ نعم، لكن أراد الله أن تشتعل النار، أليس من الممكن: أنهم إذا قذفوه جمدوا, وماتوا فجأة؟ ممكن، لكن سمح الله لهم أن يقذفوه بالنار، سمح الله لهم أن يقبضوا عليه، وسمح الله لهم أن يضرموا النار، وسمح الله لهم أن تتأجج النار، ثم ألقوه في النار، كلمتين:
﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾
[سورة الأنبياء الآية: 69]
 في مفسرين جزاهم الله خيراً حللوا هذه الكلمات، قال: لو أن الله قال: يا نار كوني برداً, لمات إبراهيم من البرد، لو أن الله قال: يا نار كوني برداً وسلاماً, انتهى مفعول النار إلى يوم القيامة، لم يعد هناك نار، تطبق عليه, لأنه قال: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا, برد غير مميت, عَلَى إِبْرَاهِيمَ بالذات.
 الله معك، الله معنا دائماً، فإذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك.
خاتمة القول :
 في فائدة للمعجزات: يجب أن تطمئن أن الله قد يخرق هذه العادات التي تظنها لا تخرق، إن خرقها لمؤمن فهي كرامة، وإن خرقها لنبي فهي معجزة، وإن رأيت شيئاً غير مألوف عادة, من ضال مضل فهي ضلالة، من إنسان ضال ضلالة، من إنسان مؤمن كرامة، من نبي معجزة.
والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق