[ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)]فصلت
-شيخ الاسلام قال في ( 5-521 ) : اسْتَوَى بِمَعْنَى عَمَدَ : ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } لِأَنَّهُ عُدِّيَ بِحَرْفِ الْغَايَةِ كَمَا يُقَالُ : عَمَدْت إلَى كَذَا وَقَصَدْت إلَى كَذَا وَلَا يُقَالُ : عَمَدْت عَلَى كَذَا وَلَا قَصَدْت عَلَيْهِ
وقال العلامة ابن القيم كما في مختصر الصواعق ص349 : لَفْظَ الِاسْتِوَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِلُغَتِهِمْ وَأَنْزَلَ بِهَا كَلَامَهُ نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، فَالْمُطَلَّقُ مَا لَمْ يُوصَلْ مَعْنَاهُ بِحَرْفٍ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} وَهَذَا مَعْنَاهُ كَمُلَ وَتَمَّ، يُقَالُ: اسْتَوَى النَّبَاتُ وَاسْتَوَى الطَّعَامُ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَثَلَاثَةُ أَضْرَابٍ :
أَحَدُهَا: مُقَيَّدٌ بِإِلَى كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} وَاسْتَوَى فُلَانٌ إِلَى السَّطْحِ وَإِلَى الْغُرْفَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْمُعَدَّى بِإِلَى فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ: فِي الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}
وَالثَّانِي فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وَهَذَا بِمَعْنَى الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ،
* أقولاً لعلماء كثر فسروا الاستواء بمعنى القصد والعمد
قال ابن كثير: ثم استوى إلى السماء } أي: قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا تضمن معنى القصد والإقبال؛ لأنه عدي بإلى.
وفي تفسير البغوي: ثم استوى إلى السماء قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء. وقال ابن كيسان والفراء وجماعة من النحويين: أي أقبل على خلق السماء. وقيل: قصد ...اهـ
في تفسير السعدي: { استوى } ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها، الكمال والتمام، كما في قوله عن موسى: { ولما بلغ أشده واستوى } وتارة تكون بمعنى "علا "و "ارتفع "وذلك إذا عديت بـ "على "كما في قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } { لتستووا على ظهوره } وتارة تكون بمعنى "قصد "كما إذا عديت بـ "إلى "كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض، قصد إلى خلق السماوات { فسواهن سبع سماوات } فخلقها وأحكمها، وأتقنها. اه
قال الشيخ ابن عثيمين: { استوى إلى السماء } أي علا إلى السماء؛ هذا ما فسرها به ابن جرير رحمه الله؛ وقيل: أي قصد إليها؛ وهذا ما اختاره ابن كثير . رحمه الله ...
فالصواب ما ذهب إليه ابن كثير رحمه الله وهو أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام، والإرادة الجازمة.
المقصود و الله أعلم " خلق السماء" التي لم تكن خلقت بعد ؛و انما كان الموجود دخان والدخان هو الماده التي منها خلقت السماء و التي يسميها علماء الفلك السديم و الغبار الكوني والذي لازال موجدا منه بين النجوم في السماء
والدخان : ما يتصاعد من الوقود عند التهاب النار فيه ،وقيل الدخان هو رطوبه خفيفه
وقوله وهي دخان تشبيه بليغ ، أي وهي مثل الدخان ، وقد ورد في الحديث إنها كانت عماء ،وقيل : أراد بالدخان هنا شيئا مظلما
المقصود و الله أعلم " خلق السماء" التي لم تكن خلقت بعد ؛و انما كان الموجود دخان والدخان هو الماده التي منها خلقت السماء و التي يسميها علماء الفلك السديم و الغبار الكوني والذي لازال موجدا منه بين النجوم في السماء
والدخان : ما يتصاعد من الوقود عند التهاب النار فيه ،وقيل الدخان هو رطوبه خفيفه
وقوله وهي دخان تشبيه بليغ ، أي وهي مثل الدخان ، وقد ورد في الحديث إنها كانت عماء ،وقيل : أراد بالدخان هنا شيئا مظلما
. . إن هناك اعتقاداً أنه قبل خلق النجوم كان هناك ما يسمى السديم . وهذا السديم غاز . . دخان
" والسدم - من نيرة ومعتمة - ليس الذي بها من دخان إلا ما تبقى من خلق النجوم . إن نظرية الخلق تقول:إن المجرة كانت من غاز وغبار (دخان). ومن هذين تكونت بالتكثف النجوم . وبقيت لها بقية . ومن هذه البقية كانت السدم . ولا يزال من هذه البقية منتشراً في هذه المجرة الواسعة مقدار من الدخان , يساوي ما تكونت منه النجوم . ولا تزال النجوم تجر منه بالجاذبية إليها( الجواري الكنس) . فهي تكنس السماء منه كنساً . ولكن الكناسين برغم أعدادهم الهائلة قليلون بالنسبة لما يراد كنسه من ساحات أكبر وأشد هولاً "
وهذا الكلام قد يكون صحيحاً لأنه أقرب ما يكون إلى مدلول الحقيقة القرآنية: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان). . وإلى أن خلق السماوات تم في زمن طويل . في يومين من أيام الله .
ثم نقف أمام الحقيقة الهائلة:
(فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً . قالتا:أتينا طائعين). .
إنها إيماءة عجيبة إلى انقياد هذا الكون للناموس , وإلى اتصال حقيقة هذا الكون بخالقه اتصال الطاعة والاستسلام لكلمته ومشيئته . فليس هنالك إذن إلا هذا الإنسان الذي يخضع للناموس كرهاً في أغلب الأحيان . إنه خاضع حتماً لهذا الناموس , لا يملك أن يخرج عنه , وهو ترس صغير جداً في عجلة الكون الهائلة ; والقوانين الكونية الكلية تسري عليه رضي أم كره . ولكنه هو وحده الذي لا ينقاد طائعاً طاعة الأرض والسماء . إنما يحاول أن يتفلت , وينحرف عن المجرى الهين اللين ; فيصطدم بالنواميس التي لا بد أن تغلبه - وقد تحطمه وتسحقه - فيستسلم خاضعاً غير طائع . إلا عباد الله الذين تصطلح قلوبهم وكيانهم وحركاتهم وتصوراتهم وإراداتهم ورغباتهم واتجاهاتهم . . تصطلح كلها مع النواميس الكلية , فتأتي طائعة , وتسير هينة لينة , مع عجلة الكون الهائلة , متجهة إلى ربها مع الموكب , متصلة بكل ما فيه من قوى , . وحينئذ تصنع الأعاجيب , وتأتي بالخوارق , لأنها مصطلحة مع الناموس , مستمدة من قوته الهائلة , وهي منه وهو مشتمل عليها في الطريق إلى الله(طائعين). .
إننا نخضع كرهاً . فليتنا نخضع طوعاً . ليتنا نلبي تلبية الأرض والسماء . في رضى وفي فرح باللقاء مع روح الوجود الخاضعة المطيعة الملبية المستسلمة لله رب العالمين .
إننا نأتي أحياناً حركات مضحكة . . عجلة القدر تدور بطريقتها . وبسرعتها . ولوجهتها . وتدير الكون كله معها . وفق سنن ثابتة . . ونأتي نحن فنريد أن نسرع . أو أن نبطىء . نحن من بين هذا الموكب الضخم الهائل . نحن بما يطرؤ على نفوسنا - حين تنفك عن العجلة وتنحرف عن خط السير - من قلق واستعجال وأنانية وطمع ورغبة ورهبة . . ونظل نشرد هنا وهناك والموكب ماض . ونحتك بهذا الترس وذاك ونتألم . ونصطدم هنا وهناك ونتحطم . والعجلة ماضية في سرعتها وبطريقتها إلى وجهتها . وتذهب قوانا وجهودنا كلها سدى . فأما حين تؤمن قلوبنا حقاً , وتستسلم لله حقاً , وتتصل بروح الوجود حقاً . فإننا - حينئذ - نعرف دورنا على حقيقته ; وننسق بينخطانا وخطوات القدر ; ونتحرك في اللحظة المناسبة بالسرعة المناسبة , في المدى المناسب . نتحرك بقوة الوجود كله مستمدة من خالق الوجود . ونصنع أعمالاً عظيمة فعلاً , دون أن يدركنا الغرور . لأننا نعرف مصدر القوة التي صنعنا بها هذه الأعمال العظيمة . ونوقن أنها ليست قوتنا الذاتية , إنما هي كانت هكذا لأنها متصلة بالقوة العظمى .
ويا للرضى . ويا للسعادة . ويا للراحة . ويا للطمأنينة التي تغمر قلوبنا يومئذ في رحلتنا القصيرة , على هذا الكوكب الطائع الملبي , السائر معنا في رحلته الكبرى إلى ربه في نهاية المطاف . .
ويا للسلام الذي يفيض في أرواحنا ونحن نعيش في كون صديق . كله مستسلم لربه , ونحن معه مستسلمون . لا تشذ خطانا عن خطاه , ولا يعادينا ولا نعاديه . لأننا منه . ولأننا معه في الاتجاه:
(قالتا:أتينا طائعين). . (فقضاهن سبع سماوات في يومين). . (وأوحى في كل سماء أمرها). .
واليومان قد يكونان هما اللذان تكونت فيهما النجوم من السدم . أو تم فيهما التكوين كما يعلمه الله . والوحي بالأمر في كل سماء يشير إلى إطلاق النواميس العاملة فيها , على هدى من الله وتوجيه ; أما ما هي السماء المقصودة فلا نملك تحديداً . فقد تكون درجة البعد سماء . وقد تكون المجرة الواحدة سماء . وقد تكون المجرات التي على أبعاد متفاوتة سماوات . . وقد يكون غير ذلك . مما تحتمله لفظه سماء وهو كثير .
(وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً). .
والسماء الدنيا هي كذلك ليس لها مدلول واحد محدد . فقد تكون هي أقرب المجرات إلينا وهي المعروفة بسكة التبان والتي يبلغ قطرها مائة ألف مليون سنة ضوئية ! وقد يكون غيرها مما ينطبق عليه لفظ سماء . وفيه النجوم والكواكب المنيرة لنا كالمصابيح .
(وحفظاً). . من الشياطين . . كما يدل على هذا ما ورد في المواضع الأخرى من القرآن . . ولا نملك أن نقول عن الشياطين شيئاً مفصلاً . أكثر من الإشارت السريعة في القرآن . فحسبنا هذا . .
(ذلك تقدير العزيز العليم). .
وهل يقدر هذا كله ? ويمسك الوجود كله , ويدبر الوجود كله . . إلا العزيز القوي القادر ? وإلا العليم الخبير بالموارد والمصادر ?
فكيف - بعد هذه الجولة الكونية الهائلة - يكون موقف الذين يكفرون بالله ويجعلون له أنداداً ? كيف . والسماء والأرض تقولان لربهما: (أتينا طائعين)وهذا النمل الصغير العاجز من البشر الذي يدب على الأرض يكفر بالله في تبجح واستهتار ?
وما يكون جزاء هذا التبجح وهذا الاستهتار ?
فإن أعرضوا فقل:أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود . إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله . قالوا:لو شاء ربنا لأنزل ملائكة , فإنا بما أرسلتم به كافرون . فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق , وقالوا:من أشد منا قوة ? أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ? وكانوا بآياتنا يجحدون . فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا , ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون . وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى , فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون . ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق