8‏/10‏/2015

مفهوم الرتق و الفتق للسماوات و الأرض ،و محاكاة العلم الحديث لهما...



( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ( 30 ) وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ( 31 ) ) الانبياء

( أولم ير الذين كفروا ) معناها -ابن كثير:ألم يعلم الذين كفروا

*السماوات و الأرض...( فسرت على ثلاث أوجه)
-قال ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء وقتادة : كانتا شيئا واحدا ملتزقتين ( ففتقناهما ) فصلنا بينهما بالهواء ، والرتق في اللغة : السد ، والفتق : الشق .

قال كعب : خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ، ثم خلق ريحا فوسطها ففتحها بها .

-قال مجاهد والسدي : كانت السموات مرتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات ، وكذلك الأرض كانتا مرتقة طبقة واحدة فجعلها سبع أرضين .

-قال عكرمة وعطية : كانت السماء رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات .




لننظر الآن إلى عدد الحقائق في الآية 30 من سورة الأنبياء التي تخبرنا كيف بدأ الكون:

1 ـ قال الله تعالى: (أَوَلَمْ) استفهام إنكاري يتضح مدى بلاغته في السياق حين لم يؤمنوا بعد أن علموا.


2 ـ قال الله تعالى: (يَرَ) بمعنى يعلم. والحقيقة هي، أن اكتشاف بداية هذا الكون تطلب علمًاوليس إيمانًا.


3 ـ قال الله تعالى: (الَّذِينَ) أي جمع، والحقيقة هي، أن من اكتشف كيف ومتى بدأ الكون هم عدة أشخاص.


4 ـ قال الله تعالى: (كَفَرُوآ) أي غير مسلمين. والحقيقة هي، أن غير المسلمين هم الذين اكتشفوا كيف ومتى بدأ الكون.


5 ـ قال الله تعالى: (السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض) معًا أي الكون كله. والحقيقة هي، أن الكون كله كان رتقًا أي كتلة واحدة.


6 ـ قال الله تعالى: (السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قدم السماوات على الأرض. والحقيقة هي، أن خلق السماوات أي الفضاء يجب أن يسبق خلق الطاقة والمادة أو يصاحبه، ومن المستحيل أن يكون العكس. ويقصد بالسماوات المكان أو الفضاء space، الذي يحتوي على كل الأجرام السماوية. أما الأرض، فهي رمز للمادة التي تكونت منها المجرات والسدم وكل الأجرام السماوية الأخرى بما فيها الأرض. هذه المادة إما أن تكون مرئية (والتي تعرف علميٌّا بـ baryonic matter وتشكل 4% من مجموع ما في الكون من مادة وطاقة) أو غير مرئية (والتي تعرف علميٌّا بالمادة الداكنة dark matter وتشكل 23% من مجموع الكون، والطاقة الداكنة dark energy وتشكل 73% من مجموع الكون).

7 ـ أن كلمة (رَتْقًا)، أي أوصل بعضه بعضًا، تقترح أن مكونات الرتق إما أن تكون من جسيم واحد Particle ولكنه متفرق فرتق أو أكثر من جسيم واحد، ثم رتقوا. بعبارة أخرى: أن الجميع كان متصلاً بعضه ببعض متلاصقًا متراكمًا فوق بعض في ابتداء الأمر. والحقيقة هي، أن كل ما في الكون كان متلاصقًا في (مادة غير معروفة لدى البشر حتى الآن، أي لم يكن هناك فضاء ولا طاقة ولا مادة ولا زمن كما نعرفها الآن.

8 ـ حينما وصف الله ـ سبحانه ـ السماوات بالرتق فهذا يعني أن السماوات ـ أي الفضاء ـ أيضًا مادة. والحقيقة هي، أن العلم الحديث توصل إلى أن الفضاء مادة ويحتوي الأجرام السماوية ويجبرها كيف تسبح، وهو ما عبر عنه الفيزيائي البروفيسور جان أركيبالد ويلار بقوله: Spacetime grips mass, telling it how)

(to move, and mass grips spacetime, telling it how to curve.

9 ـ حيث لم يكن هناك زمان ولا سماوات؛ أي فضاء يحتوي مادة الرتق، فإن مادة الرتق صغيرة جدٌّا لا يمكن تخيل حجمها (أي هي المنتهى للمكان وللزمان)، هو ما يعرف في علم الفلك بالتفردية singularity.

10 ـ هناك حقبتان زمنيتان حتى الآن في خلق الكون: حقبة ما قبل الرتق وحقبة الرتق، فلكي يكون هناك رتق فلابد من وجود كتلة/كتل تسبق الرتق.

11 ـ قال الله تعالى: (فَفَتَقْنَاهُمَا) أي أن بدء الكون كان فتقًا وأن فتق الشيء يتضمن القوة والشدة في الفصل. والحقيقة، أن هذا هو ما حصل بالفعل أثناء وخلال الانفجار الكبير the Big Bang، وهذه حقبة زمنية ثالثة.

12 ـ أن الفاء في (فَفَتَقْنَاهُمَا) تتضمن التوالي المباشر بعد الرتق. والحقيقــــة هي أن البشـــــرية لم تتوصل ماديٌّا بعد إلى هذه النتيجة، وإن كان هناك بعض التخمينات لبعض علماء الفلك أن هذا قد يكـــون حصل أو سوف يحصل وسموه الالتئام الكبير the Big Bang.



13 ـ لقد أخبرتنا الآية بما آلت إليه مادة الرتق، ولكن الآية لم تخبرنا عن ماهية مادة الرتق ذاتها، وكيفية ذلك الرتق، والحقيقة أنه من المستحيل للبشرية معرفة مكونات الرتق؛ لأن الفتق دمر تلك (المادة) والكيفية التي كانت فيها تدميرًا في الانفجار الكبير.

14 ـ أن الماء أساس الحياة، فحيث توجد حياة يوجد ماء، أي أن الماء يسبق وجود أي حياة، وهاتان حقيقتان زمنيتان ثابتتان. وقد تكون حقبة وجود الماء حقبة زمنية رابعة وحقبة، وجود حياة حقبة زمنية خامسة.

15 ـ أن تضمين (
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ
) في نفس الآية وترتيبها بعد ذكر الفتق تشير إلى أن هذا الكون مقدر له وجود ماء فيه، ثم حياة، ثم ظهور الجنس البشري، أي أن الكون هُيِّئَ لكي يستقبل البشر، وهو ما يعرف في علم الفلك بالمبدأ الإنسان الكوني (The anthropic Cosmological principle). وظهور الجنس البشري في الكون قد يكون الحقبة الزمنية السادسة.

16 ـ بعد أن أخبر الله ـ سبحانه ـ أن غير مسلمين هم الذين سوف يكتشفون كيفية وزمن بدء الكون، يوبخ الحق ـ سبحانه وتعالى ـ الكافرين الذين اكتشفوا ذلك بعد الإيمان فقال: (أَفَلا يُؤْمِنُونَ)، وكأن الحق قد استنكر عليهم علمهم ببدء الكون. والحقيقة هي أن الأشخاص الذين اكتشفوا علميٌّا كيفية بدء الكون لم يؤمنوا بالإسلام، وبعضهم حتى لم ولا يؤمن بالله ـ عز وجل.

أخيرًا:

إن الست الحقب الزمنية المذكورة سابقًا قد تفسر قول الحق ـ سبحانه: (الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ...) الفرقان 59. والله أعلم.

إن عدد الحقائق وتسلسلها المذكورة سابقًا وبهذا التسلسل وبهذه الدقة، لم يتوصل إليها البشر قط إلا خلال المئة السنة الماضية. فكيف عرف كل هذه الحقائق إنسان أُمِّيٌّ من قوم أُميّين ظهر قبل أكثر من 1400 سنة؟ لا بد أن يكون علمًا خارج الإطار البشري. وصدق الحق الخالق القائل في محكم تنزيله: ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدحين).

* فحاصل مسألة ( تقدم خلق السماء على الأرض  او العكس )عند الطبري وابن كثير والقرطبي ليس فيه إجماعا يعول عليه المتتبع للإجابة على هذا السؤال على الرغم من تصريح ابن عباس بخلق الأرض قبل السماء وليس في قوله قبل السماوات مع علمنا بأن العربية تسمح بإطلاق لفظ السماء على السماوات من جهة وكذلك استخدام ابن عباس للفظة "خلق" بداية ولم يستخدم تسوية السماء سماوات سبعا ومن المعلوم أن لفظة التسوية لا تقتضي الإيجاد من العدم إلى الوجود وحتى لفظ "خلق" لا تقتضي الإيجاد من العدم إلى الوجود عند الشنقيطي في أضواء البيان بل هي عنده بمعنى التقدير عنده . وبالتالي بما أن الخلق والتسوية لا تقتضي الإيجاد من العدم إلى الوجود فهذا يعني أن الترتيب الزمني لا يمكن استبانته بسهولة إلا بوجود دليل على الإيجاد من العدم إلى الوجود وهذا الدليل يأتي من الرتق المفتوق الذي صرح القرآن الكريم بكون السماوات والأرض كانتا شيئا واحدا وقد ذكرت السماوات بصيغة الجمع هنا أي السماوات السبع تباعا وما حصل لها من تسوية بعد ذلك, والتسوية كما لا يخفى على كل ذي لب لبيب لا يمكن أن تكون إلا بعد الرتق المفتوق ولعله من الأنسب استخدام لفظ "الانفطار" ثم الخلق, فيكون قبل الخلق عملية انفطار مرتبة زمنيا ثم تأتي عملية الخلق بلا ترتيب زمني معلوم لدينا بالضرورة ويليها التسوية التي لا يهم فيها ترتيب زمني كونه شيء غيبي تماما لا يمكن أن نصل إليه بدليل من كتاب ولا من سنة بحال من الأحوال، وهذه المسألة أثارها بعض الملحدة زمن الفخر الرازي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق