أصل العرب
1- العرب البائدة: وهم اثنتا عشرة قبيلة على الأقل: عاد وثمود وطسم وجديس وعملاق واميم وحضورا و وبار و عبيل (التي كانت لها حضارة هائلة في بلاد الشام وقد اكتشفت هذه الحضارة حديثا من قبل علماء آثار غربيين وسموها إيبلا لأنه ليس لديهم حرف العين. و أطلال عاصمة عبيلا موجودة جنوب مدينة حلب). وجرهم الذين صاهرهم إسماعيل عليه السلام ومنهم تعلم اللغة العربية وأتقنها. والعرب البائدة لم يبق لهم ذكر. بعضهم قد اندمج مع قبائل عربية أخرى، وبعضهم الآخر تفرق في البلاد. وقد أبيد كثير منهم مثل عاد وثمود (إلا القلة المؤمنة منهم).
2- العرب العاربة: وهم العرب المنحدرة من صلب يعرب بن قحطان.
3- العرب المستعربة: من صلب إسماعيل عليه السلام.
فضل اللغة العربية
إعلم وفقك الله بأن الله عز وجل قد أنزل كتابه بالعربية {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف:2) والله أعلم بأي لسان يختاره لكتابه، وهو العليم الحكيم. ولو جعله الله بغير لغة لما فهمه الناس على الوجه الذي أراده ولا عقلوه كما قال عز وجل {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} (فصلت:44).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الدمشقي في كتابه القيم "اقتضاء الصراط المستقيم" (2|207): «وإنما الطريق الحسن: اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف. بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة، يؤثّر في العقل والخُلُق والدّين تأثيراً قوياً بيناَ. ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب. فإن فهم الكتاب والسنة فرض. ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية. وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية. وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري (ر): "أما بعد، فتفقهوا في السُّنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي". وفي حديث آخر عن عمر (ر) أنه قال: "تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم". وهذا الذي أمر به عمر (ر) من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يُحتاج إليه. لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال. ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله».
ويقول: «وما ذكرنا من حكم اللسان العربي وأخلاق العرب، يثبت لمن كان كذلك وإن كان أصله فارسياً، وينتفي عمن لم يكن كذلك وإن كان أصله هاشمياً». وهذه قاعدة مهمة جداً، فالعبرة هي في تكلم اللغة العربية فقط، لا بمجرد النسب. وقد ذكر الحديث: «إنَّ الرب واحد، والأبُ واحد، والدَين واحد، وإنَّ العربيةَ ليست لأحدكم بأبٍ ولا أمّ، إنما هي لسانَّ، فمنْ تكلَّمَ بالعربيةِ فهو عربي»، ثم قال ابن تيمية: وهذا الحديث ضعيف، لكنَّ معناه ليس ببعيد. بل هوَ صحيح من بعض الوجوه. ولهذا كان المسلمون المتقدموَن لما سكنوَا أرض الشام ومصر ولغة أهلها رومية وقبطيةْ وَأرض العِرَاق وخُرُاسان ولغَة أهلها فارسية. وأرض المغرب ولغة أهلها بربرية، عَودوا أهلَ هذه البلاد العربيةَ حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم. وهكذا كانت خراسان قديماً ثم إنّهم تَساهلوَا في أمر اللُغةِ العربية، واعتادوا الخطابَ بالفارسيةِ حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم. وَلا ريب أنَّ هذا مكروه.
أقول: وإن تأملت حال العرب اليوم، لعرفت أن أكثرهم لا ينتسبون إلى القبائل التي كانت تسكن الجزيرة العربية عند مجيء الإسلام. فمثلاً لم يدخل مصر إلا بضعة آلاف عربي عند الفتح أيام عمر، وكان عدد الأقباط سبعة ملايين. فهل البضعة آلاف تكاثروا حتى أصبحوا خمسين مليون مقابل السبعة ملايين الذين تناقصوا إلى مليونين؟ كلا، بل أهل مصر الأقباط دخلوا الإسلام وتكلموا العربية فصاروا عرباً. وكذلك حال سكان شمال إفريقيا البربر، وسكان السودان الأفارقة، وسكان الأندلس اللاتين. ولذلك فإن العلماء يقولون أنه على قدر المعرفة بلغة العرب، تكون المعرفة بفضل القرآن. فهذا ابن القيم يقول: «إنما يعرف فضل القرآن من عرف كلام العرب». وهذا ابن يتيمية يقول: «معلوم أن تعلم العربية وتعليمها فرض كفاية لأن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون». وفضل اللغة العربية هو من أهم أسباب فضل العرب، لأن العربي هو الذي يتكلم العربية. قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (15|431): «فغلب على العرب القوة العقلية النطقية، واشتق اسمُها من وصفها فقيل: عرب من الإعراب، وهو البيان والإظهار، وذلك خصوصاً القوة النطقية.. ولهذا كانت العرب أفضل الأمم».
ومما يراه علماء الفرس (أيام كانوا على الإسلام قبل الغزو الصفوي) من أن اللغة العربية أفضل اللغات وأكملها بالحياة والانتشار:
1 - أبو حاتم الرازي (أحمد بن حمدان) (ت322هـ) صاحب كتاب "الزينة في الكلمات الإسلامية" عقد (1|60 - 66) فصلاً بعنوان: "فضل لغة العرب" ذكر فيه أن لغات البشر كثيرة لا يمكن حصرها، وأن أفضلها أربع: العربية، والعبرانية، والسريانية، والفارسية، وأن أفضل هذه الأربع لغة العرب، فهي أفصح اللغات وأكملها وأتمها وأعذبها وأبينها».
2 - أبو الحسين أحمد بن فارس (ت395 هـ) قال في "الصاحبي" (ص16): "باب لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها"، مشيراً إلى قوله تعالى: {لتكونَ من المنذرينَ بلسان عربيٍّ مبين} (الشعراء: 195) وقال: «فلما خَصّ - جل ثناؤه - اللسانَ العربيّ بالبيانِ عُلِمَ أن سائر اللغات قاصرةٌ عنه، وواقعة دونه. فإن قال قائل: فقد يقع البيانُ بغير اللسان العربي، لأن كلَّ مَنْ أفْهَمَ بكلامه على شرط لغته فقد بَيَّنَ. قيل له: إن كنتَ تريد أن المتكلّم بغير اللغة العربية قد يُعْرِبُ عن نفسه حتى يُفْهِمَ السامعَ مرادَه فهذا أخس مراتب البيان، لأن الأبكم قد يدلُّ بإشارات وحركات له على أكثر مراده ثم لا يسمّى متكلماً، فضلاً عن أن يُسمّى بَيِّناً أو بليغاً. وإن أردت أنَّ سائر اللغات تُبَيّنُ إبانةَ اللغة العربية فهذا غَلط».
3 - أبو منصور الثعالبي (ت430هـ) قال في كتابه "فقه اللغة وسر العربية" (ص21): «ومَنْ هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أنّ محمداً خيرُ الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم».
4 - أبو القاسم محمود الزمخشري (ت538 هـ) قال في مقدمة كتابه "المفصل في علم العربية": «اللهَ أحمدُ على أن جعلني من علماء العربية، وجبلني على الغضب للعرب والعصبية، وأبى لي أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز، وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحاز، وعصمني من مذهبهم الذي لم يُجْدِ عليهم إلا الرشقَ بألسنةِ اللاعنينَ، والمَشْقَ بأسِنَّة الطاعنين».
ومما يراه كُتّاب الغرب عن اللغة العربية الفصحى:
1 - قال كارلونلينو: «اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقاً وغنى، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها».
2 - قال فان ديك (الأمريكي): «العربية أكثر لغات الأرض امتيازاً، وهذا الامتياز من وجهين: الأول: من حيث ثروة معجمها. والثاني: من حيث استيعابها آدابها».
3 - قال د. فرنباغ (الألماني): «ليست لغة العرب أغنى لغات العلم فحسب، بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العدّ، وإن اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا نحن الغرباء عن العربية وبين ما ألفوه، حجاباً لا يتبين ما وراءه إلاَّ بصعوبة».
4 - قال فيلا سبازا: «اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بل هي أرقى من لغات أوروبا لتضمنها كلَّ أدوات التعبير في أصولها في حين أن الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة، ولا تزال حتى الآن تعالج رمم تلك اللغات لتأخذ من دمائها ما تحتاج إليه».
5 - قال المستشرق الفرنسي الشهير أرنست رينان في معرض حديثه عن اللغة العربية في "الموسوعة المسيحية": «فهذه اللغة المجهولة التاريخ تبدو لنا فجأة بكل كمالها ومرونتها وثروتها التي لا تنتهي، لقد كانت هذه اللغة منذ بدايتها بدرجة من الكمال تدفعنا للقول بإيجاز: إنها منذ ذلك الوقت حتى العصر الحاضر لم تتعرض لأي تعديل ذي بال، فاللغة العربية لا طفولة لها، وليس لها شيخوخة أيضا، منذ ظهرت على الملأ، ومنذ انتصاراتها المعجزة، ولست أدري إذا كان يوجد مثل آخر للغة جاءت إلى الدنيا مثل هذه اللغة من غير مرحلة بدائية، ولا فترات انتقالية، ولا تجارب تتلمس فيها معالم الطريق».
6- يقول "فيشر": «إذا استثنينا الصين، لا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته، وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها حسب أصول وقواعد، غير العرب». أقول: مع قِدَم اللغة الصينية فلا يمكن أبداً مقارنتها بلغة العرب لأنها مجرد كتابة بحيث كل كلمة لها صورة معينة وليست هناك أبجدية، وكل منطقة في الصين تلفظ تلك الكلمة بشكل مختلف تماماً، مع غياب معظم التفصيلات النحوية. فسكان الصين لا يمكنهم التفاهم بين بعضهم بالنطق، ولكن في الكتابة فقط!
فضل العرب على العجم
هذه مسألة مهمة جداً، لكثرة الخلط فيها. ففضل العرب على غيرهم ثابت. وقد ثبت في «صحيح البخاري» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): «بعثت من خير قرون بني آدم؛ قرناً فقرناً؛ حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه». وفي «صحيح مسلم» من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله (ص) قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».
وهذا فضل جنس لا فضل شخص. فجنس العرب أفضل بمجموعهم فقط. بمعنى عندك في المدرسة صفين، صف فيه نسبة المتفوقين أكثر، فهو أفضل بمجموعه، ومع ذلك فقد يكون في الصف الثاني شخص متفوق على طلاب الصف الأول، والمدرسة لا تميّز في المعاملة بين الطلاب. أين المشكلة؟ العرب إلى اليوم فيهم نسبة الفقهاء والعلماء والمجاهدين أكثر من غيرهم، مع اعتبار قلة عددهم بالنسبة للمسلمين. ذلك أنه لا يمكن لمسلم أن يفهم القرآن والحديث فهماً كاملاً بغير إتقان اللغة العربية. وقد قال سيدنا معاوية من قبل: «والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد (ص) لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به». فإن قصّر العرب قصّر المسلمون. ومجرد كون المرء عربياً لا يعطيه أي فضل، لأن كل شخص يتفاضل بعمله. فهل تستطيع أن تفخر بانتسابك لصف متفوق وأنت كسول؟! بل لعله يكون عاراً عليك أكثر... تعرف اللغة العربية وتفهم القرآن ثم لا تعمل به. وأرجو أن يكون في هذا توضيحاً للمسألة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": «باب تفضيل جنس العجم على العرب نفاق. فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، رومهم و فرسهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله (ص) أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي (ص) منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم أنفسهم أفضل. وبذلك ثبت لرسول الله (ص) أنه أفضل نفساً و نسباً، وإلا لزم الدور. ولهذا ذكر أبو محمد بن حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها: "هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم. فكان من قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونية". وساق كلاماً طويلاً إلى أن قال: "ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله (ص): حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق. ولا نقول بقول الشعوبية و أرذال الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضلهم، فإن قولهم بدعة و خلاف". وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم. وهؤلاء يسمون الشعوبية لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما قيل: "القبائل للعرب والشعوب للعجم". ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب. والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق، إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس مع شبهات اقتضت ذلك».
ومن أدلة تفضيل العرب، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله (ص) قال: «إن الله اصطفى كِنَانَةَ من وَلَدِ إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم». قال شيخ الإسلام: «هذا يقتضي أنَ إسماعيل وَذريتَهُ صَفْوَةُِ وَلَدِ إبراهيمَ، فيقتضي أنهم أفْضَلُ من وَلَدِ إسحاق. ومعلوَمً أنَّ ولد إسحاق الذين هم بنو إسرائيل أفضلُ العَجَمِ لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل لهؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى. وتدل أيضاً أن نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس. وهكذا جاءت الشريعة كما سنومئ إلى بعضه».
قال شيخ الإسلام: «بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب لكفر (لأن منهم رسول الله (ص) وعامة أصحابه)، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم وأن محبتهم سبب قوة الإيمان». وقال: «وأيضاً فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء، كتب الناس على قدر أنسابهم. فبدأ بأقربهم نسباً إلى رسول الله (ص)، فلما انقضت العرب ذكر العجم. هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس، إلى أن تغير الأمر بعد ذلك».
قال شيخ الإسلام (19|29): «وجمهور العلماء على أن جنس العرب خير من غيرهم». لكنه استدرك فقال: «لكن تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد فإن في غير العرب خلق كثير خير من أكثر العرب». والعرب هم من يتكلمون العربية. والتاريخ يشهد عجز العجم عن حكم العرب بشكل جيد إلا في النادر. وأحسن دولة لهم كانت دولة المماليك. كان في أقوى قوتها في أول عهدها زمن بيبرس، ثم لم تلبث أن ضعفت لأن حكامها ما أرادوا الاعتماد على العرب في الجيش، وإنما استقدموا العبيد ليدربوهم على القتال، خوفاً من انقلاب العرب عليهم. وهذا دوماً كان مصدر ضعف لهم. ثم لم يعد يكفي العبيد الأتراك فجاءوا بالعبيد الشركس فانقلبوا عليهم، ثم هؤلاء بدورهم أصابهم الضعف لنفس السبب حتى انهارت الدولة. فسبب الضعف أنهم دوماً أقلية لا يريدون الاعتماد على العرب. أما العثمانيون فهم مثال على الفشل الذريع في حكم العرب. وكانت دولتهم أقوى قبل أن يحكموا بلاد العرب لأن جيشهم توزع على بلاد شاسعة، مع رفضهم في نفس الوقت الاعتماد على العرب في مناصب قيادية. قال المتنبي:
وإنّما الناس بالملوك * وما تفلح عُربٌ ملوكها عجم
لا أدبٌ عندهم ولا حسب * ولا عهودٌ لهم ولا ذمم
وقد اخترت لكم المصنف المشهور المسمى: "مسبوك الذهب، في فضل العرب، وشرف العلم على شرف النسب" للمؤلف الإمام مرعي بن يوسف الحنبلي الكرمي (1033هـ) نسبة إلى قريته طور كرم في أرض فلسطين فك الله أسرها. وعلى صغر حجم هذا الكتاب إلا انه من أنفس ما كُتب في هذا الموضوع. وتكمن قيمته العلمية في توسطه واعتداله وموضوعيته وابتعاده عن الحمية والعصبية، بل نهج منهجا شرعياً لا يكتب إلا ما دل عليه الدليل من الكتاب والسنة.
قال المؤلف ما خلاصته: وأرض العرب هي جزيرة العرب التي هي من بحر القلزم (البحر الأحمر) إلى بحر البصرة (الخليج العربي). ومن حجر اليمن إلى أطراف الشام. إذا تقرر هذا، فاعلم أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، كما إن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة من حيث الطائفة والعموم. وأما باعتبار أفراد أو أشخاص، فقد يوجد من النساء ما هو أفضل من ألوف من الرجال كمريم وفاطمة وعائشة. وقد يوجد من العجم ما هو أفضل من ألوف من العرب، كصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي. ويصح أن نقول أن واحداً منهم مثل بلال، أفضل من جعفر الصادق وموسى الكاظم وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد...
و أما العَقْلُ الدَّالُ على فَضْلِ العَرَب: فقد ثبتَ بالتَوَاتُرِ المَحْسُوسِ المُشَاهَدِ أنَّ العَرَبَ أكْثَرُ النَاس لسَخَاءً، وَكَرَماً، وَشَجَاعَةً، ومروءةً، وَشَهَامةً، وبلاغةً، وفَصَاحَةً. وِلساَنُهم أَتُم الألْسِنَةِ بياناً، وَتَمْييزاً للمعاني جمعاً وفَرْقاً بجمعِ المعاني الكثيرةِِ في اللَّفْظِ القَليلِ، إذا شاء المتكلِّمُ الجَمْعِ. ويميّزُ بين كلِّ لفظين مشتبهين بلفظٍ آخر مختصرٍ، إلى غيرِ ذَلكَ من خَصَائِصِ اللَسانِ العربيِّ. ولهم مكارمُ أخْلاَقٍ مَحموَدة لا تَنْحَصِرُ. غريزةٌِ في أنفسهم، وَسَجِيَّة لهم جُبلُوا عليها. لكنْ كانوا قبلَ الإِسلامِ طَبِيعةً قَابِلَةً للخيرِ ليسَ عندَهم عِلْمٌ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّماءِ، وَلاَ هُمْ أيضاً مُشْتَغلُونَّ ببعضِ العُلُوَم العَقْلية المَحْضَة كَالطِّبِّ أو الحِسَاب أو المَنْطِقِ (مثل اليونان والهند). إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم. إنَما علمُهُمْ ما سَمَحَتْ بهِ قًرَائِحُهُمْ مِنَ الشِّعْرِ والخُطَبَ أو ماَ حَفِظُوه مِنْ أنْسَابهِمْ وأيَّامِهم، أو ما احْتَاجُوَا إليه في دنياهم مِنَ الأنواء والنُجوَم، أو الحُروب، فلما بعثَ الله محمداً فيهم... فَأخذوا هذا الهدي العظيم بتلكَ الفِطْرةِ الجيدةِ فاجتمِعََ لهم الكَمَال التَامُ بالقوة المَخْلُوَقَةِ فيهم، والهُدَى الذي أنزلَهُ عليهم. واعلم أنًهُ ليسَ فَضْلُ العَرَبِ ثمَّ قُرَيْشٍ ثُم بني هَاشِمٍ بمجردِ كَوَْنِ النبي (ص) مِنْهُمْ كما يُتَوهمُ وإنْ كانَ هوَ عليه السلام قد زَادَهُمْ فضلاً وشرفاً بلا ريب بل هُمْ في أنْفُسِهِمْ أفْضَلُ وَأشرفُ وأكْمَلُ. وبذلكَ ثَبَتَ لَه عليه السلام أنَّهُ أفضل نَفْساً وَنَسَباً، وإلا لَلَزمَ الدَّوْرُ وهو بَاطِلٌ.
وبالجملة فالذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وأن قريشاً أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله (ص) أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق أجمعين، وأشرفهم حسباً ونسباً، وعلى ذلك درج السلف والخلف. قال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكَرْمَانيُّ صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة، التي قال فيها: "هذا مذهب أئمة العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها. وأدركت من أدركت من أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، وأن من خالفها أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق". وساق كلاما طويلا إلى أن قال: "وَنَعْرِفُ للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم... ولا نقول بقول الشعوبية" -وأرادَ الموالي الذين لا يُحبونَّ العرب ولا يقرُّونَّ بفضلهم-، "فإن قوَلهُمْ بِدْعَةٌ وخلاف".
إذا علمتَ هذا فاعلمْ أنَ الذي يرجعُ إليه ويعوَلُ في الفَضْلِ عليه هو الشَرفُ الكسبيُّ الذي منه العلم والتقوَى، وهو الفضل الحقيقي لا مجرد الشرف الذاتي الذي هوَ شرف النَسب بشهادةِ القران ِوشهادة النبيّ عليه السلام وشهادةِ الأذكياء مِنَ الأنام... فمنَ الغُرورِ الوََاضِحِ، والحُمْقِ الفَاضِحِ أنْ يفتخرَ أحدٌ مِنَ العَرَب على أحد مِنَ العجم بمجردِ نَسَبهِ، أو حَسَبهِ، ومن فَعَلَ ذلكَ فإنه مخطئ جَاهل مغرورٌ. فَرُبَّ حبشي أفضل عند الله تعالى منَ ألوَف مِنْ قريشٍ. قال الله تعالى في مثلِ ذلك: {يَا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ و أنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقبائلَ لتعارَفوا، إنِ أكْرَمكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ}. وقال تعالى: {وَلأمَة مُؤْمِنَةٌ خَيرٌ مِنْ مُشْركَةٍ وَلَوَْ أعْجَبَتْكُمْ... وَلَعَبْدٌ مُؤْمنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}...
واعلم أن لفظَ الأعراب هوَ في الأصل اسم لسكان باديةِ العَرَبِ، وإلاَّ فكلُّ أمَّةٍ لها حاضرة وبادية، فباديةُ العَرَب الأعراب، وبادية الروم الأرْمَن، وباديةُ الفُرْس الأكْرَاد، وباديةُ التُرْكِ التركُمَان، فسائر سكان البوادي لهم حكم الأعراب سوَاء دخلوا في لفظِ الأعراب أم لم يدخلوَا. فجنسُ الحاضرة أفضل من جنس البادية، وأما باعتبار الأفراد فقد يوجد من أهل الباديةِ ما هو أفضل من ألوفٍ من أهل الحاضرة.
وأما الرطانة: التي هي التَكلمُ بغير العربيةِ تشبهًا بالأعاجم، فقد قالَ عمرُ بنُ الخَطَّابِ: "إيَّاكم وَرَطَانة الأعاجم. وانْ تدخلوَا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم". وفي لفظ آخر عن عمرَ: "لا تَعَلّموَا رَطَانَةَ الأعاجمِ، ولا تدخلوَا على المشركين في كنائسهم يوَم عيدهم فإن السخطة تنزلُ عليهم". وقالَ الإِمامُ مالك فيما رواه ابنُ القاسم في "المُدونة": "لا يُحرِمُ بالأعِجمية، ولا يدعو بها، وَلا يحلف". وقال: "نهى عمر عن رطانةِ الأعاجم". وسئلَ الإِمام أحمد عن الدعاءِ في الصلاة بالفارسية فكرهه، وقال: "لِسَانُ سوء". ومذهبهُ أنَ ذلكَ يُبْطِلُ الصلاة. وَكَرِهَ الإِمامُ الشافعي لمن يعرف العربيةَ أن يسمي بغيرها، أو أن يتكلم بها خالطاً بالعجمية، وهو ظاهرُ كلامِهِ فيما حكاه عنه ابن عبدِ الحكم. انتهى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق