وصف الله تعالى السماء بوصف من الأوصاف البارزة والهامة، فقال تعالى: ﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ [الطارق: 11]،
مما لا شك فيه أن لهذه الآية الكريمة معان كبيرة لكي يقسم الله تعالى في كتابه العظيم «القران». يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة: (قال ابن عباس: الرجع المطر، وعنه : هو السحاب فيه المطر، وعنه (والسماء ذات الرجع) تمطر ثم تمطر، وقال قتادة : ترجع رزق العباد كل عام ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم،
نستدل من تفسير هذه الآية الكريمة إلى أن معنى الرجع هو المطر الذي يرجع إلى سطح الأرض بعد أن كان في السماء بفعل تبخر المياه وتحولها إلى غيوم لتسقط بعد ذلك أو ترجع إلى الأرض، لكن مع تطور العلم الحديث وزيادة مفاهيمنا العلمية وتصوراتنا الدقيقة عن الكون فلا أجد حرجا من إضافة معان أخرى أكثر دقة لهذه الآية دون الخروج عن المعنى الحقيقي لهذه الآية، خاصة وان الله تعالى قد عبر عن المطر بالرجع وليس بالمطر، فعملية الرجع تتم على الأرض في مظاهر أخرى غير المطر مثل رجع الموجات الصوتية والرجع الحراري والرجع الغازي ورجع المياه (المطر) وغيرها، كما أن معنى الرجع في اللغة أوسع من المطر، فقد جاء في اللغة أن : رجع - رجوعا ومرجعا ومرجعة ورجعى ورجعانا أي انصرف وعاد، أو صرفه ورده، ويقال عوده على بدئه، أي رجع في الطريق الذي جاء منه، والرجع جمع رجاع ورجعان المطر بعد المطر، ورجع الصدى: ما يرده عليك المكان الخالي إذا صوت فيه.
ومن نعم الله عز وجل أن خلق للأرض غلافا غازيا يحيط بها من كل جانب، يبلغ سمك الغلاف الغازي الأرضي حوالي 35 ألف كيلو متر، ويتوازن الهواء حول الأرض بفعل الجاذبية، إذ إن قوة الجاذبية تعمل على سحب الهواء نحو الأرض لتمنعه من التسرب نحو الفضاء ولولا هذه الجاذبية لما وجد الغلاف الغازي حول الأرض ولاستحالت الحياة عليها فسبحان الله.
ومن المعروف أن الماء يغطي حوالي 71 % من سطح الكرة الأرضية، ونتيجة لأشعة الشمس يتبخر حوالي 380 ألف كيلو متر مكعب من المياه سنويا الذي يبقى على شكل بخار في طبقة التروبوسفير حتى يتكاثف بسبب البرودة ليعود إلى سطح الأرض على شكل مطر أو برد أو ثلج بحسب درجة الحرارة السائدة في الجو. هذه العملية تسمى «دورة المياه في الطبيعة « ولولاها لاستحالت الحياة بكافة أشكالها على الأرض، فهي تزود اليابسة والمناطق الزراعية البعيدة عن مصادر الماء بالمياه ولولا هذه العملية لما نبت الزرع ولاختفت ينابيع الماء، كما وتعمل على تنقية المياه من الشوائب وغسل الهواء في الجو.
ومعروف ايضا أن طبقة التروبوسفير الملاصقة لسطح الأرض تتكون من غازات مختلفة مثل «النيتروجين» الذي يشكل ما نسبته 78 % من هذه الطبقة و « الأوكسجين « ويشكل ما نسبته 22 % وبخار الماء وثاني أكسيد الكربون والهليوم والكبريت والإيدروجين بنسبة قليلة جدا.
ويقول الدكتور محمد النابلسي:
كان يفهم من هذه الآية أنه إذا صعد بخار الماء إلى السماء رجع مطراً، هذه المعطيات الأولية، ثم اكتشفوا أن هذا البث الإذاعي لولا أن هناك طبقة في الجو اسمها الأثير تعيد هذه الموجات إلى الأرض لما كان هناك بث إذاعي في الأرض، ثم اكتشف أن الحقيقة التي تنتظم الكون كله هي قوله تعالى :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
[سورة الطارق]

أي إن كل نجم أو كل كوكب ينطلق في مسار مغلق، ويعود إلى مكان حركته الأولى المصطلح عليها، كل كوكب يدور في مسار مغلق يعود إلى مكان انطلاقه الأول، المسار المفتوح هو الحلزوني، أما المسار المغلق فأن هذا النجم يعود إلى مركز انطلاقه الأول تماماً، بدليل أن ساعة
[ بيك بين ]
تضبط على حركة نجم، وقد تختلف في العام ثانية أو ثانيتين، والنجم أدق من أي ساعة في الأرض.
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
أي إن كل كوكب يتحرك، لو تصورنا أن الكون كواكبه لا تتحرك، بحسب قانون الجاذبية لا بد من أن يصبح الكون كتلة واحدة، كل نجم أكبر يجذب الأصغر، وتنتهي الحياة، لولا هذه الحركة لما كانت حركة في الكون، فحركة النجم في مسار مغلق، أي يعود إلى مكان انطلاقه الأول، هذه الحقيقة تنتظم الكون كله.
وجه الإعجاز:
وصف الله تعالى السماء بوصف من الأوصاف البارزة والهامة، فقال تعالى: ﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ [الطارق: 11]، ولم يفهم المفسرون من هذا الوصف إلا أحد معاني الرجع، وهو إرجاع المياه التي تم تبخيرها من على سطح الأرض في صورة أمطار تهطل على مناطق متفرقة.
ولكن اللفظ القرآني لم يقل: ذات المطر، بل قال: (ذات الرجع)، ويفهم منه أن السماء تقوم بإرجاع أمور أخرى غير المطر، وفي العقود المتأخرة من القرن العشرين كشف العلم عن صور أخرى لرجع السماء، وعلى ذلك فإن وصف السماء بأنها (ذات الرجع) في القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين يجمع كل هذه الصور التي نعرفها اليوم، وربما العديد من الصور التي لم نعرفها بعد، وكل هذا في كلمة واحدة وهي (الرجع)، وهذه الكلمة الجامعة هي شهادة صدق بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي تلقى هذا الوحي الحق هو خاتم أنبياء الله ورسله، وأنه صلى الله عليه وسلم كان موصولاً بالوحي ومعلّماً من قبل خالق السماوات والأرض؛ وصدق الله العظيم الذي وصف خاتم أنبيائه ورسله بقوله الحق: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: 3-5].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق