المحبة وبعض مظاهر الشرك في توحيد الألوهيه:
المحبة والخوف والرجاء :
وهذه أركان العبادة ، وبعضهم يقول : أركان العبادة القلبية ، واجتماعها في قلب العبد لشيء ما فهذا دليل على أنه يعبد هذا الشيء ، ولذلك لو تأملت حال القبوريين والوثنيين عند أوثانهم ، تجدهم عند هذا الولي أو المقبور أو الصنم في منتهى الذل والخوف له ، وفي منتهى المحبة له ، وفي منتهى الرجاء له في توقع حصول المراد ، وهذه هي أركان العبادة التي لا تجوز إلا لله وحده لا شريك له . وقد اجتمعت في قوله تعالى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ الحب في قوله ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ أي: لحبهم له سبحانه وتعالى ويرجون رحمته هذا الركن الثاني، ويخافون عذابه الركن الثالث، وهذه الأركان الثلاثة هي أركان التعبد القلبية، بمعنى أي عبادة تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى لابد أن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة تعبد الله لأنك تحبه وترجو رحمته وتخاف عذابه.
أولها المحبة :
عبادة عظيمة من العبادات ، وهي تلك المحبة التي تقوم على منتهى التعظيم والتذلل لله عزوجل ، وتفوق كل المحاب ، والدليل على أن المحبة عبادة لله عز وجل قوله تعالى : قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين [التوبة: 24].
فأصل الأعمال كلها هو المحبة ، فالإنسان لا يعمل إلا لما يحب ، إما لجلب منفعة ، أو لدفع مضرة ، فإذا عمل شيئاً ، فلأنه يحبه إما لذاته كالطعام : أو لغيره كالدواء.
وعبادة الله مبنية على المحبة ، بل هي حقيقة العبادة ، إذ لو تعبدت بدون محبة صارت عبادتك قشراً لا روح فيها ، فإذا كان الإنسان في قلبه محبة لله وللوصول إلى جنته ، فسوف يسلك الطريق الموصل إلى ذلك .
ولهذا لما أحب المشركون آلهتهم توصلت بهم هذه المحبة إلى أن عبدوها من دون الله أو مع الله .
قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله... [البقرة: 165].
وهذه الآية من الأدلة على أن المحبة عبادة لا يشرك فيها مع الله عز وجل ،
واختلف المفسرون في قوله: كحب الله على قولين :
القول الأول : يجعلون محبة الأصنام مساوية لمحبة الله، فيكون في قلوبهم محبة لله ومحبة للأصنام، ويجعلون محبة الأصنام كمحبة الله، فيكون المصدر مضافاً إلى مفعوله، أي يحبون الأصنام كحبهم لله .
وهذا القول هو قول أكثر السلف والمفسرين ، وهو اختيار ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، واختاره الشيخ ابن عثيمين .
والقول الثاني: يحبون هذه الأصنام محبة شديدة كمحبة المؤمنين لله.وقال بهذا جماعة من المفسرين.
وسياق هذه الآية يؤيد القول الأول.
بدليل : والذين آمنوا أشد حباً لله ، فهذه صيغة تفضيل ، والأصل في صيغة التفضيل اشتراك كل من الفاضل والمفضول في قدر مشترك ، وهو هنا محبة الله عزوجل.
ويعضد هذا أنه قد دل الكتاب والسنة على أن المشركين كانوا يعرفون الله تعالى ، وأنهم يثبتون أنه سبحانه تعالى هو الصانع والخالق لهذا الكون ، بل كانوا يعبدون الله بعض العبادات ، قال تعالى : فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ، و كانوا يقولون في تلبيتهم : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك !! " رواه البزار بسند حسن.
والمحبة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : محبة الله ، وهذه هي محبة العبادة ، وهي التي توجب التذلل والتعظيم ، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه ، وهذه خاصة بالله ، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة ، فهو مشرك شركاً أكبر ، ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة .
القسم الثاني : محبة غير الله ، وهذه قسمان :
مباح وغير مباح :
أما غير المباح فنوعان :
النوع الأول : المحبة الشركية ، وهو أن يحب غير الله كحب الله أو أشد ، ومضت فيها النصوص . وهي المحبة التي توفرت فيها أركان العبادة القلبية كما أسلفنا.
النوع الثاني : المحبة المحرمة : وهي المحبة التي تدفعك إلى فعل المحرم أو ترك الواجب ، كشراء الدشوش محبة للزوجة والأولاد ، أو كأن يترك الأب أو الولي ابنته أو موليته البالغة تلبس ما شاءت من اللباس لأنه يحبها ، أو كمن يحلق لحيته حبا لزوجته !
وأما المباح فأربعة أنواع :
النوع الأول : المحبة لله وفي الله ، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله ، أى : كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص ، كالأنبياء ، والرسل ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .
أو أعمال ، كالصلاة ، والزكاة ، وأعمال الخير ، أو غير ذلك .
وهذا النوع تابع للقسم الأول الذي هو محبة الله .
النوع الثاني : محبة إشفاق ورحمة ، وذلك كمحبة الولد . والصغار ، والضعفاء ، والمرضى .
النوع الثالث : محبة إجلال وتعظيم لا عبادة ، كمحبة الإنسان لوالده ، ولمعلمه ، ولكبير من أهل الخير .
النوع الرابع : محبة طبيعية ، التي لا يؤثرها المرء على محبة الله، فهذه لا تنافي محبة الله، كمحبة الزوجة، والولد، والمال، والطعام ، والشراب ، والملبس ، والمركب ، والمسكن.
ولهذا لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - - كما في الصحيحين - : من أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة". قيل: فمن الرجال؟ قال: "أبوها".
وأشرف هذه الأنواع القسم الأول .
و قسم المباح ، إذا اقترن به ما يقتضى التعبد صار عبادة ، فالإنسان يحب والده محبة إجلال وتعظيم ، وإذا اقترن بها أن يتعبد لله بهذا الحب من أجل أن يقوم ببر والده صارت عبادة وكذلك يحب ولده محبة شفقة ، وإذا اقترن بها ما يقتضي أن يقوم بأمر الله بإصلاح هذا الولد صارت عبادة .
وكذلك المحبة الطبيعية ، كالأكل والشرب والملبس والمسكن إذا قصد بها الاستعانة على عبادة صارت عبادة ، ولهذا " حبب للنبي - صلى الله عليه وسلم - النساء والطيب " ، فحبب إليه النساء ، لأن ذلك مقتضى الطبيعة ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة ، وحبب إليه الطيب ، لأنه ينشط النفس ويريحها ويشرح الصدر ، ولأن الطيبات للطيبين ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً .
... فهذه الأشياء إذا اتخذها الإنسان بقصد العبادة صارت عبادة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى "
ثانيا : الخوف :
الخوف عبادة عظيمة من العبادات ، والدليل على أنه عبادة : قوله تعالى: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ، فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، (آل عمران:الآية175).
قرأ ابن مسعود هذه الآية ( يخوفكم أولياءه) لذا يقول ابن القيم رحمه الله ( جميع المفسرين على أن معنى ( يخوف أولياءه ) أي : يخوفكم بأوليائه ) . لذلك جاء عن قتادة رحمه الله أنه قال : ( إنما يحصل ذلك بتعظيم أولياء الشيطان في قلوبهم حتى يخافونهم ) .
فالله سبحانه وتعالى نهى عن خوف أولياء الشيطان وأمر بخوفه وحده.
وقوله إن كنتم مؤمنين هذا التعليق من جنس تعليق الشرط على جزائه ، فإن كنتم حقاً مؤمنين فلا تخافوا إلا الله ولا تخشوا إلا الله سبحانه وتعالى .
ومن الأدلة قوله﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ﴾.وهذا نفي واستثناء ، و مجيء أداة الاستثناء بعد النفي يدل على الحصر والقصر، فإذن الآية دالة بظهور على أن الخشية يجب أن تكون في الله، وأن الله أثنى على أولئك بأنهم جعلوا خشيتهم في الله وحده دون ما سواه، والخشية أخصّ من الخوف.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابيه : ( مدارج السالكين ) و ( طريق الهجرتين ) عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : ( الخوف من الله هو عمل القلب ) .
والخوف ينقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول: خوف العبادة : والتذلل والتعظيم والخضوع ، وهو ما يسمى بخوف السر.
وهذا لا يصلح إلا لله – سبحانه - ، فمن أشرك فيه مع الله غيره ؛ فهو مشرك شركاً أكبر ، وذلك مثل : مَن يخاف من الأصنام أو الأموات ، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم ؛ كما يفعله بعض عباد القبور : يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله . وهذا هو القسم الثاني :
القسم الثاني : الخوف الشركي: وهو خوف السر؛ والخوف الذي يجب إفراد الله جل وعلا به، ومن لم يفرد الله جل وعلا به فهو مشرك كافر هو نوع من أنواع الخوف وليس كل أنواع الخوف وهو خوف السر؛ وهو أن يخاف غير الله جل وعلا بما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا، وهو المسمى عند العلماء خوف السر؛ وهو أن يخاف أن يصيبه هذا المخوف منه، أن يصيبه ذلك الشيء بشيء في نفسه-يعني في نفس ذلك الخائف كما يصيبه الله جل وعلا بأنواع المصائب من غير أسباب ظاهرة ولا شيء يمكن الاحتراز منه، فإن الله جل وعلا له الملكوت كله، وله الملك وهو على كل شيء قدير، بيده تصريف الأمر، يرسل ما يشاء من الخير، و يمسك ما يشاء من الخير، يرسل المصائب، وكل ذلك دون أسباب يعلمها العبد، وقد يكون لبعضها أسباب، لكن هو في الجملة من دون أسباب يمكن للعبد أن يعلمها, يموت هذا، ينقضي عمر ذاك، هذا يموت صغيرا، ذاك يموت كبيرا, هذا يأتيه مرض، وذاك يصيبه بلاء في ماله ونحو ذلك، الذي يفعل هذه الأشياء هو الله جل وعلا، فيُخاف من الله جل وعلا خوف السر أن يصيب العبد بشيء من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، المشركون يخافون آلهتهم خوف السر؛ أن يصيبهم ذلك الإله، ذلك السيد، ذلك الولي، أن يصيبهم بشيء كما يصيبهم الله جل وعلا بالأشياء، فيقع في قلوبهم الخوف من تلك الآلهة من جنس الخوف الذي يكون من الله جل وعلا، يوضح ذلك أن عُبَّاد القبور وعباد الأضرحة وعباد الأولياء يخافون أشد الخوف من الولي أن يصيبهم بشيء إذا تُنُقِّص الولي، أو إذا لم يُقَم بحقه.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في " شرح الأصول الثلاثة " : [ حُكِيَ لي في ذلك حكاية من أحد طلبة العلم، أنه كان مجتازا مرة مع سائق سيارة أجرة ببلدة (طنطة) المعروفة في مصر التي فيها قبر البدوي؛ والبدوي عندهم معظم، وله من الأوصاف ما لله جل وعلا؛ يعني يعطونه من الأوصاف بعض ما لله جل وعلا، هم اجتازوا بالبلدة فأتى صغير متوسط في السن يسأل هذا؛ يسأله صَدقة، فأعطاه شيئا، فحلف له بالبدوي أن يعطيه أكثر، وكان من العادة عندهم أنه من حلف له مثل ذلك فلا يمكن أن يرد، فلا بد أن يعطي؛ لأنه يخاف أن لا يقيم لذلك الولي حقه، فقال هذا وهو من طلبة العلم والمتحققين بالتوحيد فقال: هات ما أعطيتك. فظن ذلك أنه يريد أن يعطيه زيادة, فأخذ ما أعطاه وقال: لأنك أقسمت بالبدوي فلن أعطيك شيئا، لأن القسم بغير الله شرك.
هذا مثال للتوضيح ليس من باب القصص لكنه يُوضِح المراد من خوف السر وضوحا تاما.
سائق الأجرة علاهُ الخوف في وجهه، ومضى سائقا وهو يقول: أُسْتُر أُسْتُر، أُسْتُر أُسْتُر. فسأله ذاك قال: تخاطب من؟ قال: أنت أهنت البدوي، وأنا أخاطبه أي أدعوه بأن يستر، فإننا نستحق مصيبة، وسيرسل علينا البدوي مصيبة؛ لأننا أهناه. وكان في قلبه خوف بحيث أنه مشوا أكثر من مئة كيلو ولم يتكلم إلا باستر، استر. يقول فلما وصلنا سالمين معافين توجهت له فقلت: يا فلان أين ما زعمت؟ وأين ما ذكرت من أن هذا الإله الذي تألهونه أنه سيفعل ويفعل؟ فتنفس الصعداء وقال: أصل السيد البدوي حليم !!!
هذه الحالة هي حالة تعلق القلب بغير الله، الذي يكون عند الخرافيين، خوف من غير الله خوف السر، البدوي ميت في قبره، يخشى أن يرسل إليه أحد يقسمه، أو مصيبة في سيارته أو في نفسه، هذا هو خوف السر، وهذا هو الذي جاء في مثل قول الله جل وعلا ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[الأنعام:81], قال (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ) لأنهم يخافون آلهتهم هذا النوع من الخوف، لهذا تجد قلوبهم معلقة بآلهتهم لأنهم يخافونهم خوف السر، وقال جل وعلا مخبرا عن قول قوم هود حيث قالوا لهود ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾[هود:54]، فهم خافوا الآلهة، عندهم أن الآلهة تصيب بسوء، وكان الواجب على حد زعمهم أن يخاف هذا من الآلهة أن تصيبه بسوء، فقالوا له (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) يعني بمصيبة في نفسك اختل عقلك، أو اختلت جوارحك أو نحو ذلك، هذا النوع من الخوف هو الذي إذا صرف لغير الله جل وعلا فهو شرك أكبر].انتهى كلامه - حفظه الله تعالى -.
فالخوف بهذا المعنى من العبادات العظيمة التي يجب أن يُفرد الله بها.
القسم الثالث: الخوف المحرم : وهو أن يخاف من مخلوق بامتثال واجب أو البعد عن محرم مما أوجبه الله أو حرمه، يخاف من مخلوق في أداء فرض من فرائض الله، يخاف من مخلوق في أداء واجب من الواجبات؛ لا يصلي خوفا من مخلوق، لا يحضر الجماعة خوفا من ذم المخلوق له أو استنقاصه له، فهذا محرم، قال بعض العلماء: وهذا من أنواع الشرك الأصغر. يترك الأمر والنهي الواجب بشرطه خوفا من ذم الناس أو من ترك مدحهم له أومن وصمهم بأشياء، فهذا خوف رجع على الخائف بترك أمر الله, وهذا محرم؛ لأن الوسيلة إلى المحرم محرمة. مثاله : أن يحلق لحيته أو لا يقصر ثوبه خوفا من انتقادات الناس ، ومن أمثلته أيضا أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حماية لعرضه من الناس أو خوف انتقاد الناس !! وهذا القسم منتشر بين الناس للأسف الشديد ، خاصة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القسم الرابع : الخوف الطبيعي المأذون به أو الجبلي: كالخوف من عدو أو خوف من سَبُع, أو خوف من نار، أو خوف من مؤذي ومهلك ونحو ذلك ، فهذا في الأصل مباح لقوله تعالى عن موسى : فخرج منها خائفاً يترقب ، وقوله عنه أيضاً : رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون ، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم ؛ أصبح من القسم الثالث الذي هو الخوف المحرم ، وإن استلزم شيئاَ مباحاً كان مباحاً ، فمثلاً من خاف من شيء لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها ؛ فهذا الخوف محرم ، والواجب عليه أن لا يتأثر به .
وإن هدده إنسان على فعل محرم ، فخافه وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به ، فهذا خوف محرم لأنه يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر ، وإن رأى ناراً ثم هرب منها ونجا بنفسه ؛ فهذا خوف مباح ، وقد يكون واجباً إذا كان يتوصل به إلى إنقاذ نفسه .
وهناك ما يسمى بالوهم وليس بخوف ، مثل أن يرى ظل شجرة تهتز فيظن أن هذا عدو يتهدده ، فهذا لا ينبغي للمؤمن أن يكون كذلك ، بل يطارد هذه الأوهام لأنه حقيقة لها ، وإذا لم تطاردها ؛ فإنها تهلكك .والحمد لله رب العالمين .
عن (علي الفضلي ).
المحبة والخوف والرجاء :
وهذه أركان العبادة ، وبعضهم يقول : أركان العبادة القلبية ، واجتماعها في قلب العبد لشيء ما فهذا دليل على أنه يعبد هذا الشيء ، ولذلك لو تأملت حال القبوريين والوثنيين عند أوثانهم ، تجدهم عند هذا الولي أو المقبور أو الصنم في منتهى الذل والخوف له ، وفي منتهى المحبة له ، وفي منتهى الرجاء له في توقع حصول المراد ، وهذه هي أركان العبادة التي لا تجوز إلا لله وحده لا شريك له . وقد اجتمعت في قوله تعالى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ الحب في قوله ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ أي: لحبهم له سبحانه وتعالى ويرجون رحمته هذا الركن الثاني، ويخافون عذابه الركن الثالث، وهذه الأركان الثلاثة هي أركان التعبد القلبية، بمعنى أي عبادة تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى لابد أن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة تعبد الله لأنك تحبه وترجو رحمته وتخاف عذابه.
أولها المحبة :
عبادة عظيمة من العبادات ، وهي تلك المحبة التي تقوم على منتهى التعظيم والتذلل لله عزوجل ، وتفوق كل المحاب ، والدليل على أن المحبة عبادة لله عز وجل قوله تعالى : قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين [التوبة: 24].
فأصل الأعمال كلها هو المحبة ، فالإنسان لا يعمل إلا لما يحب ، إما لجلب منفعة ، أو لدفع مضرة ، فإذا عمل شيئاً ، فلأنه يحبه إما لذاته كالطعام : أو لغيره كالدواء.
وعبادة الله مبنية على المحبة ، بل هي حقيقة العبادة ، إذ لو تعبدت بدون محبة صارت عبادتك قشراً لا روح فيها ، فإذا كان الإنسان في قلبه محبة لله وللوصول إلى جنته ، فسوف يسلك الطريق الموصل إلى ذلك .
ولهذا لما أحب المشركون آلهتهم توصلت بهم هذه المحبة إلى أن عبدوها من دون الله أو مع الله .
قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله... [البقرة: 165].
وهذه الآية من الأدلة على أن المحبة عبادة لا يشرك فيها مع الله عز وجل ،
واختلف المفسرون في قوله: كحب الله على قولين :
القول الأول : يجعلون محبة الأصنام مساوية لمحبة الله، فيكون في قلوبهم محبة لله ومحبة للأصنام، ويجعلون محبة الأصنام كمحبة الله، فيكون المصدر مضافاً إلى مفعوله، أي يحبون الأصنام كحبهم لله .
وهذا القول هو قول أكثر السلف والمفسرين ، وهو اختيار ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، واختاره الشيخ ابن عثيمين .
والقول الثاني: يحبون هذه الأصنام محبة شديدة كمحبة المؤمنين لله.وقال بهذا جماعة من المفسرين.
وسياق هذه الآية يؤيد القول الأول.
بدليل : والذين آمنوا أشد حباً لله ، فهذه صيغة تفضيل ، والأصل في صيغة التفضيل اشتراك كل من الفاضل والمفضول في قدر مشترك ، وهو هنا محبة الله عزوجل.
ويعضد هذا أنه قد دل الكتاب والسنة على أن المشركين كانوا يعرفون الله تعالى ، وأنهم يثبتون أنه سبحانه تعالى هو الصانع والخالق لهذا الكون ، بل كانوا يعبدون الله بعض العبادات ، قال تعالى : فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ، و كانوا يقولون في تلبيتهم : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك !! " رواه البزار بسند حسن.
والمحبة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : محبة الله ، وهذه هي محبة العبادة ، وهي التي توجب التذلل والتعظيم ، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه ، وهذه خاصة بالله ، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة ، فهو مشرك شركاً أكبر ، ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة .
القسم الثاني : محبة غير الله ، وهذه قسمان :
مباح وغير مباح :
أما غير المباح فنوعان :
النوع الأول : المحبة الشركية ، وهو أن يحب غير الله كحب الله أو أشد ، ومضت فيها النصوص . وهي المحبة التي توفرت فيها أركان العبادة القلبية كما أسلفنا.
النوع الثاني : المحبة المحرمة : وهي المحبة التي تدفعك إلى فعل المحرم أو ترك الواجب ، كشراء الدشوش محبة للزوجة والأولاد ، أو كأن يترك الأب أو الولي ابنته أو موليته البالغة تلبس ما شاءت من اللباس لأنه يحبها ، أو كمن يحلق لحيته حبا لزوجته !
وأما المباح فأربعة أنواع :
النوع الأول : المحبة لله وفي الله ، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله ، أى : كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص ، كالأنبياء ، والرسل ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .
أو أعمال ، كالصلاة ، والزكاة ، وأعمال الخير ، أو غير ذلك .
وهذا النوع تابع للقسم الأول الذي هو محبة الله .
النوع الثاني : محبة إشفاق ورحمة ، وذلك كمحبة الولد . والصغار ، والضعفاء ، والمرضى .
النوع الثالث : محبة إجلال وتعظيم لا عبادة ، كمحبة الإنسان لوالده ، ولمعلمه ، ولكبير من أهل الخير .
النوع الرابع : محبة طبيعية ، التي لا يؤثرها المرء على محبة الله، فهذه لا تنافي محبة الله، كمحبة الزوجة، والولد، والمال، والطعام ، والشراب ، والملبس ، والمركب ، والمسكن.
ولهذا لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - - كما في الصحيحين - : من أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة". قيل: فمن الرجال؟ قال: "أبوها".
وأشرف هذه الأنواع القسم الأول .
و قسم المباح ، إذا اقترن به ما يقتضى التعبد صار عبادة ، فالإنسان يحب والده محبة إجلال وتعظيم ، وإذا اقترن بها أن يتعبد لله بهذا الحب من أجل أن يقوم ببر والده صارت عبادة وكذلك يحب ولده محبة شفقة ، وإذا اقترن بها ما يقتضي أن يقوم بأمر الله بإصلاح هذا الولد صارت عبادة .
وكذلك المحبة الطبيعية ، كالأكل والشرب والملبس والمسكن إذا قصد بها الاستعانة على عبادة صارت عبادة ، ولهذا " حبب للنبي - صلى الله عليه وسلم - النساء والطيب " ، فحبب إليه النساء ، لأن ذلك مقتضى الطبيعة ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة ، وحبب إليه الطيب ، لأنه ينشط النفس ويريحها ويشرح الصدر ، ولأن الطيبات للطيبين ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً .
... فهذه الأشياء إذا اتخذها الإنسان بقصد العبادة صارت عبادة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى "
ثانيا : الخوف :
الخوف عبادة عظيمة من العبادات ، والدليل على أنه عبادة : قوله تعالى: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ، فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، (آل عمران:الآية175).
قرأ ابن مسعود هذه الآية ( يخوفكم أولياءه) لذا يقول ابن القيم رحمه الله ( جميع المفسرين على أن معنى ( يخوف أولياءه ) أي : يخوفكم بأوليائه ) . لذلك جاء عن قتادة رحمه الله أنه قال : ( إنما يحصل ذلك بتعظيم أولياء الشيطان في قلوبهم حتى يخافونهم ) .
فالله سبحانه وتعالى نهى عن خوف أولياء الشيطان وأمر بخوفه وحده.
وقوله إن كنتم مؤمنين هذا التعليق من جنس تعليق الشرط على جزائه ، فإن كنتم حقاً مؤمنين فلا تخافوا إلا الله ولا تخشوا إلا الله سبحانه وتعالى .
ومن الأدلة قوله﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ﴾.وهذا نفي واستثناء ، و مجيء أداة الاستثناء بعد النفي يدل على الحصر والقصر، فإذن الآية دالة بظهور على أن الخشية يجب أن تكون في الله، وأن الله أثنى على أولئك بأنهم جعلوا خشيتهم في الله وحده دون ما سواه، والخشية أخصّ من الخوف.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابيه : ( مدارج السالكين ) و ( طريق الهجرتين ) عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : ( الخوف من الله هو عمل القلب ) .
والخوف ينقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول: خوف العبادة : والتذلل والتعظيم والخضوع ، وهو ما يسمى بخوف السر.
وهذا لا يصلح إلا لله – سبحانه - ، فمن أشرك فيه مع الله غيره ؛ فهو مشرك شركاً أكبر ، وذلك مثل : مَن يخاف من الأصنام أو الأموات ، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم ؛ كما يفعله بعض عباد القبور : يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله . وهذا هو القسم الثاني :
القسم الثاني : الخوف الشركي: وهو خوف السر؛ والخوف الذي يجب إفراد الله جل وعلا به، ومن لم يفرد الله جل وعلا به فهو مشرك كافر هو نوع من أنواع الخوف وليس كل أنواع الخوف وهو خوف السر؛ وهو أن يخاف غير الله جل وعلا بما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا، وهو المسمى عند العلماء خوف السر؛ وهو أن يخاف أن يصيبه هذا المخوف منه، أن يصيبه ذلك الشيء بشيء في نفسه-يعني في نفس ذلك الخائف كما يصيبه الله جل وعلا بأنواع المصائب من غير أسباب ظاهرة ولا شيء يمكن الاحتراز منه، فإن الله جل وعلا له الملكوت كله، وله الملك وهو على كل شيء قدير، بيده تصريف الأمر، يرسل ما يشاء من الخير، و يمسك ما يشاء من الخير، يرسل المصائب، وكل ذلك دون أسباب يعلمها العبد، وقد يكون لبعضها أسباب، لكن هو في الجملة من دون أسباب يمكن للعبد أن يعلمها, يموت هذا، ينقضي عمر ذاك، هذا يموت صغيرا، ذاك يموت كبيرا, هذا يأتيه مرض، وذاك يصيبه بلاء في ماله ونحو ذلك، الذي يفعل هذه الأشياء هو الله جل وعلا، فيُخاف من الله جل وعلا خوف السر أن يصيب العبد بشيء من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، المشركون يخافون آلهتهم خوف السر؛ أن يصيبهم ذلك الإله، ذلك السيد، ذلك الولي، أن يصيبهم بشيء كما يصيبهم الله جل وعلا بالأشياء، فيقع في قلوبهم الخوف من تلك الآلهة من جنس الخوف الذي يكون من الله جل وعلا، يوضح ذلك أن عُبَّاد القبور وعباد الأضرحة وعباد الأولياء يخافون أشد الخوف من الولي أن يصيبهم بشيء إذا تُنُقِّص الولي، أو إذا لم يُقَم بحقه.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في " شرح الأصول الثلاثة " : [ حُكِيَ لي في ذلك حكاية من أحد طلبة العلم، أنه كان مجتازا مرة مع سائق سيارة أجرة ببلدة (طنطة) المعروفة في مصر التي فيها قبر البدوي؛ والبدوي عندهم معظم، وله من الأوصاف ما لله جل وعلا؛ يعني يعطونه من الأوصاف بعض ما لله جل وعلا، هم اجتازوا بالبلدة فأتى صغير متوسط في السن يسأل هذا؛ يسأله صَدقة، فأعطاه شيئا، فحلف له بالبدوي أن يعطيه أكثر، وكان من العادة عندهم أنه من حلف له مثل ذلك فلا يمكن أن يرد، فلا بد أن يعطي؛ لأنه يخاف أن لا يقيم لذلك الولي حقه، فقال هذا وهو من طلبة العلم والمتحققين بالتوحيد فقال: هات ما أعطيتك. فظن ذلك أنه يريد أن يعطيه زيادة, فأخذ ما أعطاه وقال: لأنك أقسمت بالبدوي فلن أعطيك شيئا، لأن القسم بغير الله شرك.
هذا مثال للتوضيح ليس من باب القصص لكنه يُوضِح المراد من خوف السر وضوحا تاما.
سائق الأجرة علاهُ الخوف في وجهه، ومضى سائقا وهو يقول: أُسْتُر أُسْتُر، أُسْتُر أُسْتُر. فسأله ذاك قال: تخاطب من؟ قال: أنت أهنت البدوي، وأنا أخاطبه أي أدعوه بأن يستر، فإننا نستحق مصيبة، وسيرسل علينا البدوي مصيبة؛ لأننا أهناه. وكان في قلبه خوف بحيث أنه مشوا أكثر من مئة كيلو ولم يتكلم إلا باستر، استر. يقول فلما وصلنا سالمين معافين توجهت له فقلت: يا فلان أين ما زعمت؟ وأين ما ذكرت من أن هذا الإله الذي تألهونه أنه سيفعل ويفعل؟ فتنفس الصعداء وقال: أصل السيد البدوي حليم !!!
هذه الحالة هي حالة تعلق القلب بغير الله، الذي يكون عند الخرافيين، خوف من غير الله خوف السر، البدوي ميت في قبره، يخشى أن يرسل إليه أحد يقسمه، أو مصيبة في سيارته أو في نفسه، هذا هو خوف السر، وهذا هو الذي جاء في مثل قول الله جل وعلا ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[الأنعام:81], قال (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ) لأنهم يخافون آلهتهم هذا النوع من الخوف، لهذا تجد قلوبهم معلقة بآلهتهم لأنهم يخافونهم خوف السر، وقال جل وعلا مخبرا عن قول قوم هود حيث قالوا لهود ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾[هود:54]، فهم خافوا الآلهة، عندهم أن الآلهة تصيب بسوء، وكان الواجب على حد زعمهم أن يخاف هذا من الآلهة أن تصيبه بسوء، فقالوا له (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) يعني بمصيبة في نفسك اختل عقلك، أو اختلت جوارحك أو نحو ذلك، هذا النوع من الخوف هو الذي إذا صرف لغير الله جل وعلا فهو شرك أكبر].انتهى كلامه - حفظه الله تعالى -.
فالخوف بهذا المعنى من العبادات العظيمة التي يجب أن يُفرد الله بها.
القسم الثالث: الخوف المحرم : وهو أن يخاف من مخلوق بامتثال واجب أو البعد عن محرم مما أوجبه الله أو حرمه، يخاف من مخلوق في أداء فرض من فرائض الله، يخاف من مخلوق في أداء واجب من الواجبات؛ لا يصلي خوفا من مخلوق، لا يحضر الجماعة خوفا من ذم المخلوق له أو استنقاصه له، فهذا محرم، قال بعض العلماء: وهذا من أنواع الشرك الأصغر. يترك الأمر والنهي الواجب بشرطه خوفا من ذم الناس أو من ترك مدحهم له أومن وصمهم بأشياء، فهذا خوف رجع على الخائف بترك أمر الله, وهذا محرم؛ لأن الوسيلة إلى المحرم محرمة. مثاله : أن يحلق لحيته أو لا يقصر ثوبه خوفا من انتقادات الناس ، ومن أمثلته أيضا أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حماية لعرضه من الناس أو خوف انتقاد الناس !! وهذا القسم منتشر بين الناس للأسف الشديد ، خاصة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القسم الرابع : الخوف الطبيعي المأذون به أو الجبلي: كالخوف من عدو أو خوف من سَبُع, أو خوف من نار، أو خوف من مؤذي ومهلك ونحو ذلك ، فهذا في الأصل مباح لقوله تعالى عن موسى : فخرج منها خائفاً يترقب ، وقوله عنه أيضاً : رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون ، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم ؛ أصبح من القسم الثالث الذي هو الخوف المحرم ، وإن استلزم شيئاَ مباحاً كان مباحاً ، فمثلاً من خاف من شيء لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها ؛ فهذا الخوف محرم ، والواجب عليه أن لا يتأثر به .
وإن هدده إنسان على فعل محرم ، فخافه وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به ، فهذا خوف محرم لأنه يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر ، وإن رأى ناراً ثم هرب منها ونجا بنفسه ؛ فهذا خوف مباح ، وقد يكون واجباً إذا كان يتوصل به إلى إنقاذ نفسه .
وهناك ما يسمى بالوهم وليس بخوف ، مثل أن يرى ظل شجرة تهتز فيظن أن هذا عدو يتهدده ، فهذا لا ينبغي للمؤمن أن يكون كذلك ، بل يطارد هذه الأوهام لأنه حقيقة لها ، وإذا لم تطاردها ؛ فإنها تهلكك .والحمد لله رب العالمين .
عن (علي الفضلي ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق