*التوكل :
التوكل على الشيء الاعتماد عليه ؛ والتوكل على الله تعالى: هو صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به، وفعل الأسباب النافعة التي جعلها الله تعالى أسبابا.
وهو من تمام الإيمان وعلاماته لقوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (المائدة:الآية23).
وإذا صدق العبد في اعتماده على الله تعالى ، كفاه الله تعالى ما أهمه لقوله تعالى : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق:الآية3) ، أي : كافيه ، ثم طمأن المتوكل بقوله: إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ الطلاق:الآية3 ، فلا يعجزه شيء أراده.
فالتوكل عبادة جليلة من العبادات التي يجب ألا توجه ولا تصرف إلا لله عز وجل
وإنما مثل التوكل والعبادة كمثل الرأس والجسد ، فلا تقوم العبادة إلا على ساقين ، والساقان هما : التوكل .
ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه ( طريق الهجرتين) و ( المدارج ) عن أحمد رحمه الله أنه قال : " التوكل هو العبادة " .
قال تعالى :{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون} وقال تعالى:{ وعلى الله فليتوكل المتوكلون} وقال تعالى :{وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} وقال تعالى : {فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} أي غير المؤمنين وغير المسلمين يتوكلون على غير الله ؛ أو من توكل على غير الله فليس بمؤمن ولا مسلم ، وقال تعالى {وإذا عزمت فتوكل على الله} ، وقال تعالى:{ وتوكل على الحي الذي لا يموت } إذا الذي يموت لا تتوكل عليه ؛ وقال تعالى :{ وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} يعني لا تتوكل على الذي لا يراك لأنه إن كان لا يراك فجدير ألا يعينك ولا ينفعك، ولا تتوكل على الضعيف الذي يغالب ويمرض ويقتل ويموت ؛ وجزما أنت تتفق معي أن الذي يتوكل على غير الله فهو مشرك أليس كذلك؟إذاً ما تقول فيمن يتوكل علي (علي) رضي الله عنه؟! ستقول لي: كيف يتوكل على (علي)؟!! أقول لك: أنت ركبت السيارة وقلت حينما ركبت: ( يا الله):ماذا تريد من الله؟ حتما ستقول: أريد أن يحفظني من الشرور وغوائل الطريق والحوادث وأن يعينني على سفري؛ طيب ركبت السيارة وقلت حينما ركبت: ( يا علي) ماذا تريد من علي رضي الله عنه ؟! فأنت حينئذ ستقول: لي أحد ثلاثة احتمالات : الاحتمال الأول/ أن تقول واسطة وشفاعة بينك وبين الله وبالتالي تكون قد شابهت المشركين الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذين قال الله فيهم ( ويعبدون من دون الله مالا يضرهم و لا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لايعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) يونس (18) فهل الإله ؛ الله تبارك وتعالى يحتاج إلى من يعلمه بما لا يعلم في السماء أوفي الأرض حتى يشبهه بملوك الأرض الذي يحتاجون الحاجب والجاسوس ليعلمهم بأخبار ما خلف باب قصرهم ؟!! وقال الله تبارك وتعالى (ألا لله الدين الخالص ؛ والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لايهدي من هو كاذب كفار ) الزمر(3) 0 وتأمل
قوله تعالى (أولياء) في الآية 0فلا فرق بين أولئك وهؤلاء في الاعتقاد بالأولياء من هذا الجانب 0
الاحتمال الثاني/ أن تقول إنما هو لغو وعبث وهذا بعيد أي إنك لن تقول هذا الاحتمال ؛ لأن العبث واللغو الدائم لايصدر من عاقل وإنما يصدر من سفيه أو مجنون؛ وهذا كما لايخفى عليك يقول فيه عليه الصلاة والسلام : (رفع القلم عن ثلاثة ..وعن المجنون حتى يفيق)0
الاحتمال الثالث/ أن تقول هذا يصدر من الجهال؟ فنقول لك لقد سمعنا هذا يصدر من متعلمي الشيعة ومن علمائهم فلا داعي لهذا العذر؛ثم كم عدد هؤلاء الجهال ؟!! إنهم ملايين !! والتوحيد هل جاء لأفراد قليلين؛ أم جاء للعالمين؟!! فتأمل ولا تتعجل.
واعلم أن التوكل أنواع:
الأول: التوكل على الله تعالى وهو من تمام الإيمان وعلامات صدقه .
وهو واجب لا يتم الإيمان إلا به وسبق دليله.
الثاني: توكل السر بأن يعتمد على ميت في جلب منفعة ، أو دفع مضرة فهذا شرك أكبر ؛ لأنه لا يقع إلا ممن يعتقد أن لهذا الميت تصرفاً سرياً في الكون، ولا فرق بين أن يكون نبياً ، أو ولياً ، أو طاغوتاً عدوا لله تعالى.
الثالث: التوكل على الغير فيما يتصرف فيه الغير مع الشعور بعلو مرتبته وانحطاط مرتبة المتوكل عنه مثل أن يعتمد عليه في حصول المعاش ونحوه فهذا نوع من الشرك الأصغر لقوة تعلق القلب به والإعتماد عليه. أما لو اعتمد عليه على أنه سبب وأن الله تعالى هو الذي قدر ذلك على يده فإن ذلك لا بأس به، إذا كان للمتوكل عليه أثر صحيح في حصوله .
الرابع : التوكل على الغير فيما يتصرف فيه المتوكل بحيث ينيب غيره في أمر تجوز فيه النيابة فهذا لا بأس به بدلالة الكتاب، والسنة ، والإجماع فقد قال يعقوب لبنيه: يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ(يوسف:الآية87) ووكل النبي صلى الله عليه وسلم ،على الصدقة عمالاً وحفاظاً ، ووكل في إثبات الحدود وإقامتها ، ووكل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هديه في حجة الوداع أن يتصدق بجلودها وجلالها ، وأن ينحر ما بقى من المئة بعد أن نحر صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثاً وستين. وأما الإجماع على جواز ذلك فمعلوم من حيث الجملة.
*عن (علي الفضلي ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق